وشبه القلوب بالأراضي التي يقع عليها المطر، لأنها المحلُّ الذي يمسك الماء فينبت سائر أنواع النبات النافع، كما أن القلوب تعي العلم فيثمر فيها ويزكو وتظهر بركته وثمرته.
ثم قسم الناس إلى ثلاثة أقسام، بحسب قبولهم واستعدادهم لحفظه، وفهم معانيه، واستنباط أحكامه، واستخراج حِكَمه وفوائده:
أحدها: أهل الحفظ والفهم، الذين حفظوه وعقلوه، وفهموا معانيه، واستنبطوا وجوه الأحكام والحكم والفوائد منه، فهؤلاء بمنزلة الأرض التي قبِلت الماء، وهذا بمنزلة الحفظ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وهذا هو الفهم فيه والمعرفة والاستنباط، فإنه بمنزلة إنبات الكلأ والعشب بالماء، فهذا مثل الحفاظ الفقهاء، أهل الرواية والدراية.
القسم الثاني: أهل الحفظ الذين رزقوا حفظه ونقله وضبطه، ولم يرزقوا تفقها في معانيه، ولا استنباطًا ولا استخراجًا لوجوه الحكم والفوائد منه، فهم بمنزلة من يقرأ القرآن ويحفظه، ويراعي حروفه وإعرابه، ولم يرزق فيه فهمًا خاصًّا عن الله، كما قال علي بن أبي طالب ﵁:(إلَّا فهما يؤتيه الله عبدًا في كتابه)(١).
والناس متفاوتون في الفهم عن الله ورسوله ﷺ أعظم تفاوت، فرُب شخص يفهم من النص حكمًا أو حكمين، ويفهم منه الآخر مائة أو مائتين، فهؤلاء بمنزلة الأرض التي أمسكت الماء للناس، فانتفعوا به، هذا
(١) أخرجه البخاري برقم (٣٠٤٧) عن أبي جحيفة ﵁، قال: قلت لعلي ﵁: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: (لا، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهمًا يعطيه الله رجلًا في القرآن، وما في هذه الصحيفة)، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: (العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر).