للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنَّ النقص بفوات هذه الأمور الثلاثة أو أحدها: إمّا ألَّا يُهدى للإسلام، فهذا مهما كانت حاله، فإنّ عاقبته الشقاوة الأبديّة، وإمّا بأن يُهدي للإسلام، ولكنّه يبتلى: إمّا بفقرٍ ينسي، أو غنى يطغي؛ وكلاهما ضرر ونقص كبير، وإمّا بأن يحصل له الرزق الكافي موسَّعًا أو مقدّرًا، ولكنّه لا يقنع برزق الله، ولا يطمئن قلبه بما آتاه الله: فهذا فقير القلب والنفس.

فإنّه: ليس الغنى عن كثرة العرض، إنّما الغنى غنى القلب (١)، فكم من صاحب ثروة وقلبه فقير متحسر، وكم من فقير ذات اليد، وقلبه غنيٌّ راض، قانع برزق الله.

فالحازم إذا ضاقت عليه الدنيا لم يجمع على نفسه بين ضيقها وفقرِها، وبين فقر القلب وحسرته وحزنِه، بل كما يسعى لتحصيل الرزق فليسع لراحة القلب، وسكونه وطمأنينته. والله أعلم).

وفي هذا الحديث مدح القناعة، وقيل هي: الاستغناء بالموجود، وترك للتشوف إلى المفقود.

وقيل: الاستغناء بالحلال الطيب عن الحرام الخبيث.

وقيل: أن يكتفي المرء بما يملك، ولا يطمع فيما لا يملك.

وقيل: امتلاء القلب بالرضا، والبعد عن التسخّط والشكوى.

وعن ابن عمر قال: أخذ رسول الله بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» (٢).


(١) ورد مرفوعًا من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ». أخرجه البخاري برقم (٦٤٤٦)، ومسلم برقم (١٠٥١).
(٢) أخرجه البخاري برقم (٦٣١٦).

<<  <   >  >>