والقوَّة، يوضحه أنَّ آدمَ ﵇ قال لموسى ﵇: أتلومُنِي على أن عملتُ عملًا كان مكتوبًا عليَّ قبل أن أُخلَق.
فإذا أذنب الرَّجلُ ذنبًا ثم تاب منه توبةً وزال أمرُه حتى كأن لم يكن، فأنَّبَه مُؤَنِّبٌ عليه ولَامَه، حسُنَ منه أن يَحتجَّ بالقدر بعد ذلك، ويقول: هذا أمرٌ كان قد قُدِّر عليَّ قبل أن أُخلق، فإنَّه لم يَدفع بالقدر حقًّا، ولا ذكر حجَّةً له على باطل، ولا محذورَ في الاحتجاج به.
وأمَّا الموضع الذي يضُرُّ الاحتجاجُ به ففي الحال والمستقبل، بأن يرتكبَ فعلًا محرَّمًا أو يتركَ واجبًا، فيلُومُه عليه لائمٌ، فيحتجَّ بالقدر على إقامته عليه وإصراره، فيُبطلُ بالاحتجاج به حقًّا ويرتكبُ باطلًا، كما احتجَّ به المُصِرُّون على شركهم وعبادتهم غير الله، فقالوا: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا﴾ [الأنعام: ١٤٨]، ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ [الزخرف: ٢٠].
فاحتجُّوا به مُصَوِّبين لِمَا هم عليه، وأنَّهم لم يَندموا على فعله، ولم يعزموا على تركه، ولَم يُقرُّوا بفساده، فهذا ضدُّ احتجاج مَنْ تبيَّن له خطأُ نفسه وندم وعزَم كلَّ العزم على ألَّا يعودَ، فإذا لَامَه لائمٌ بعد ذلك قال: كان ما كان بقدر الله، ونُكتة المسألة أنَّ اللَّومَ إذا ارتفع صحَّ الاحتجاجُ بالقدر، وإذا كان اللَّومُ واقعًا فالاحتجاجُ بالقدر باطلٌ).
من فوائد الحديث:
أولًا: قال ابن عبد البر ﵀: (هذا الحديث أصل في إثبات القدر، وأن الله قضى أعمال العباد، فكل أحد يصبر لما قدر له بما سبق في علم الله تعالى، وليس فيه حجة للجبرية)(١).