للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«اعملوا فكلٌّ ميسَّر لما خُلق له»، فنبّه بالجواب عنه أن الله تعالى دبّر الأشياء على ما أراد، وربط بعضها ببعض، وجعلها أسبابًا ومسبّبات، ومن قدّره من أهل الجنّة، قدّر له ما يُقرّبه إليها من الأعمال، ووفقه لذلك، بإقداره، ويُمكّنه منه، ويُحرّضه عليه بالترغيب والترهيب، ومن قدّر أنه من أهل النار قدّر له خلاف ذلك، وخذَلَهُ حتى اتّبع هواه، وترك أمر مولاه.

والحاصل: أنه جعل الأعمال طريقًا إلى نيل ما قدّره له من جنة أو نار، فلا بدّ من المشي في الطريق، وبواسطة التقدير السابق يتيسّر ذلك المشي لكلٍّ في طريقه، ويَسهلُ (١).

وهذا الحديث أصل في باب القضاء والقدر، وأنه قد سبق قضاء الله تعالى بكون المكلفين فريقين: فريقًا في الجنة وفريقًا في السعير.

قال الخطابي (٢): (فهذا الحديث إذا تأملته أصبتَ منه الشفاء فيما يتخالجُك من أمر القدر، وذلك أن السائلَ رسولَ الله والقائلَ له: «أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل»، لم يترك شيئًا مما يدخل في أبواب المطالبات والأسئلة الواقعة في باب التجويز والتعديل، إلا وقد طالب به وسأل عنه، فأعلمه أن القياس في هذا الباب متروك، والمطالبة عليه ساقطة، وأنه أمر لا يشبه الأمور المعلومة التي قد عُقلت معانيها، وجرت معاملات البشر فيما بينهم عليها، وأخبر أنه إنما أمرهم بالعمل؛ ليكون أمارة في الحال العاجلة، لما يصيرون إليه في الحال الآجلة، فمن تيسر له العمل الصالح كان مأمولًا له الفوز، ومن تيسر له العمل الخبيث كان مخوفًا عليه الهلاك،


(١) ينظر: مشارق الأنوار الوهاجة شرح سنن ابن ماجه لمحمد بن علي بن موسى (٢/ ٤٦٧).
(٢) ينظر: معالم السنن للخطابي (٤/ ٣١٨).

<<  <   >  >>