للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه أمارات من جهة العلم الظاهر وليست بموجبات، فإن الله سبحانه طوى علم الغيب عن خلقه، وحجبهم عن درْكِه، كما أخفى أمر الساعة فلا يعلم أحد متى إبَّانُ قيامِها.

ثم أخبر على لسان رسول الله بعض أماراتها وأشراطها فقال: من أشراط الساعة: «أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة يتطاولون في البنيان» (١)، ومنها: «كيت وكيت … »).

وبعد أن ذكر الإمام النووي هذا الحديث وغيره من أحاديث القدر قال (٢): (وفي هذه الأحاديث كلِّها دلالات ظاهرة لمذهب أهل السنة في إثبات القدر، وأن جميع الواقعات بقضاء الله تعالى وقدره؛ خيرها وشرها نفعها وضرها، وقد سبق في أول كتاب الإيمان قطعة صالحة من هذا.

قال الله تعالى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣]، فهو مِلْكٌ لله تعالى يفعل ما يشاء، ولا اعتراض على المالك في ملكه، ولأن الله تعالى لا علة لأفعاله، قال الإمام أبو المظفر السمعاني: سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة، دون محض القياس ومجرد العقول، فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة، ولم يبلغ شفاء النفس، ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب، لأن القدر سرٌّ من أسرار الله تعالى التي ضربت من دونها الأستار، اختص الله به، وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم؛ لما فيه من الحكمة، وواجبنا أن نقف حيث حدَّ لنا، ولا نتجاوزه.


(١) جزء من حديث جبريل الطويل أخرجه مسلم بتمامه برقم (٨)، عن عمر بن الخطاب .
(٢) ينظر: شرح النووي على مسلم (١٦/ ١٩٦).

<<  <   >  >>