للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي الصحيح: «حُفَّت النارُ بالشهوات، وحُفَّت الجنةُ بالمكاره» (١)، وقال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٦] الآية.

ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث؛ فإنه قال: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه»؛ فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوبًا للحق محبًّا له، يتقرب إليه أولًا بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل التي يحبُّها ويحبُّ فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحقِّ، فأحبه الحق. والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه.

والله قد قضى بالموت، فكل ما قضى به؛ فهو يريده، ولا بد منه؛ فالرب مريدٌ لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كارهٌ لمساءَة عبده، وهي المساءةُ التي تحصل له بالموت، فصار الموت مرادًا للحق من وجه، مكروهًا له من وجه، وهذا حقيقة التردد، وهو أن يكون الشيء الواحد مرادًا من وجه مكروهًا من وجه، وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين، كما ترجح إرادةُ الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته).

من فوائد الحديث:

أولًا: في الحديث بيان تحريم معاداة أولياء الله تعالى من المؤمنين الطائعين، وأن من عاداهم فقد تعرض لما لا قبل له به من إهلاك الله له وانتقامه منه؛ فإن الحرب تنشأ عن العداوة والعداوة تنشأ عن المخالفة، وغاية الحرب


(١) أخرجه مسلم برقم (٢٨٢٢)، عن أنس .

<<  <   >  >>