للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنزال الله إياها بالمدينة ذنبًا، فكان يغان على قلبه لذلك حتى كان يستغفر الله كل يوم مئة مرة، لا أنه كان يغان على قلبه من ذنب يذنبه كأمته .

وقال النووي (١): (قال أهل اللغة: الغين بالغين المعجمة، والغيم بمعنى، والمراد هنا: ما يتغشى القلب. قال القاضي: قيل: المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنُه الدوامَ عليه، فإذا فتر عنه أو غفل عدَّ ذلك ذنبًا واستغفر منه.

قال: وقيل: هو همُّه بسبب أمته، وما اطلع عليه من أحوالها بعده، فيستغفر لهم. وقيل سببه: اشتغاله بالنظر في مصالح أمته وأمورهم ومحاربة العدو ومداراته وتأليف المؤلفة ونحو ذلك، فيشتغل بذلك من عظيم مقامه، فيراه ذنبًا بالنسبة إلى عظيم منزلته، وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال، فهي نزول عن عالي درجته ورفيع مقامه؛ من حضوره مع الله تعالى، ومشاهدته ومراقبته، وفراغه مما سواه، فيستغفر لذلك.

وقيل: يحتمل أن هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه؛ لقوله تعالى: ﴿فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ﴾، ويكون استغفاره إظهارًا للعبودية والافتقار وملازمة الخشوع، وشكرًا لما أولاه، وقد قال المحاشي: خوف الأنبياء والملائكة خوف إعظام، وإن كانوا آمنين عذاب الله تعالى.

وقيل: يحتمل أن هذا الغين حال خشية وإعظام يغشى القلب، ويكون استغفاره شكرًا كما سبق. وقيل: هو شيء يعتري القلوب الصافية مما تتحدث به النفس فهو منها. والله أعلم).


(١) ينظر: شرح النووي على مسلم (١٧/ ٢٣).

<<  <   >  >>