للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن الجوزي (١): (قلت: ويحتمل معنيين: أحدهما أن معرفة الله ﷿ عند العارف كل لحظة تزيد لما يستفيده من العلم به سبحانه، فهو في صعود دائم، فكأن النبي كان كلما ارتقى عن مقام بما يستفيده من العلم بالله ﷿ حين قال له: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٤] يرى ذلك الذي كان فيه نقصًا وغطاء، فيستغفر من الحالة الأولى.

ومن هذا المعنى قيل: حسنات الأبرار ذنوب المقربين؛ هذا واقع وقع لي.

ثم رأيت ابن عقيل قد ذكر مثل ذلك فقال: كان يترقى من حال إلى حال، فتصير الحالة الأولى بالإضافة إلى الثانية من التقصير كالذنب فيقع الاستغفار لما يبدو له من عظمة الرب، وتتلاشى الحال الأولى بما يتجدد من الحال الثانية.

والمعنى الثاني: أن التغطية على قلبه كانت لتقوية الطبع على ما يلاقي، فيصير بمثابة النوم الذي تستريح فيه الأعضاء من تعب اليقظة، وذلك أن الطاعة على الحقائق ومواصلة الوحي تضعف قلبه وتوهن بدنه، وقد أشار ﷿ إلى هذا في قوله: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: ٥]، وقوله: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [الحشر: ٢١]، فلولا أنه كان يتعاهد بالغفلة لما عاش بدنه لثقل ما يعرض له.

وشاهد هذا ما يلحقه من البرحاء والعرق عند الوحي، وقد كان يتعرض لهذه التغطية بأسباب يلطف فيها طبعه كالمزاح ومسابقة عائشة ، وتخير المستحسنات، وكل ذلك ليعادل عنده من قوة اليقظة.

فإن قيل: على هذا فكيف يتعرض بشيء ثم يستغفر منه؟ قلنا: لأنه يرى


(١) ينظر: كشف المشكل لابن الجوزي (٤/ ٢٣١).

<<  <   >  >>