للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يولي دبره حين يستأثر بشيء دون الآخر. وقال المازري: معنى التدابر: المعاداة، يقول: دابرته، أي: عاديته، وحكى عياض أن معناه: لا تجادلوا، ولكن تعاونوا، والأول أولى.

وقد فسره مالك في الموطأ بأخص منه، فقال إذ ساق حديث الباب عن الزهري بهذا السند: ولا أحسب التدابر إلا الإعراض عن السلام، يدبر عنه بوجهه (١)، وكأنه أخذه من بقية الحديث: «يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» (٢)؛ فإنه يفهم أن صدور السلام منهما أو من أحدهما يرفع ذلك الإعراض.

ويؤيده ما أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في زيادات كتاب البر والصلة لابن المبارك بسند صحيح عن أنس، قال: التدابر: التصارم.

النهي عن التباغض:

قوله: «ولا تباغضوا»: أي: لا تتعاطوا أسباب البغض، لأن البغض لا يكتسب ابتداء، وقيل: المراد النهي عن الأهواء المضلة المقتضية للتباغض، قلت: بل هو لأَعمُّ من الأهواء، لأن تعاطي الأهواء ضرب من ذلك.

وحقيقة التباغض: أن يقع بين اثنين، وقد يطلق إذا كان من أحدهما، والمذموم منه ما كان في غير الله تعالى، فإنه واجب فيه، ويثاب فاعله؛ لتعظيم حق الله، ولو كانا أو أحدهما عند الله من أهل السلامة، كمن يؤديه اجتهاده إلى اعتقاد ينافي الآخر فيبغضه على ذلك، وهو معذور عند الله.


(١) ينظر: موطأ الإمام مالك (٢/ ٩٠٧).
(٢) أخرجه البخاري برقم (٦٠٧٧)، ومسلم برقم (٢٥٦٠) عن أبي أيوب الأنصاري .

<<  <   >  >>