للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك لأن العبد يعتقد بإدرار نعم الله عليه أنه لكرامته على الله ورضاه عنه، فلا يزال في غيِّه مطلقًا وسنه في ضلاله حتى يأتيه حِمامُه.

فإن قيل: في هذا الاستدراج منه تعالى لعبده إيهام رضاه عنه، وهو سبب إصراره على القبيح. أجيب عنه: بأن المكلف إذا كان عالمًا بقبح القبيح أو متمكنًا من العلم به، ثم رأى نعم الله عليه تتوالى وهو مقيم على عصيانه، كان ترادفها كالمنبه له على الحذر، فلا قبح حينئذ.

وفي كلام نهج البلاغة: (ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمَه وأنت تعصيه فاحذره) (١).

قال إسماعيل بن رافع (٢): (الأمن من مكر اللَّه: إقامة العبد على الذنب، ثم يتمنى على اللَّه المغفرة).

وقد فسر بعض السلف المكر (٣): (بأن اللَّه يستدرجهم بالنعم إذا عصوه، من صحة الأبدان، ورغد العيش وغيرها، ويملي لهم، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: ١٠٢]).

قال الهروي (٤): (قال الطيبي: الاستدراج هو الأخذ في الشيء، والذهاب فيه درجة فدرجة، كالمراقي والمنازِل في ارتقائه ونزولِه، ومعنى


(١) ينظر: التنوير شرح الجامع الصغير للصنعاني (٢/ ٦٠).
(٢) ينظر: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن حسن التميمي (٣/ ٣٥٨)، وقال: (رواه ابن أبي حاتم).
(٣) ينظر: الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة للشقاوي (٤/ ١٦٧).
(٤) ينظر: مرقاة المفاتيح للهروي (٨/ ٣٢٥٧).

<<  <   >  >>