للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استدراج الله: استدراجهم قليلًا قليلًا إلى ما يهلكهم، ويضاعف عقابهم من حيث لا يعلمون ما يراد بهم، وذلك أن تواتر الله نعمه عليهم مع انهماكِهم في الغَيِّ، فكلما جدد عليهم نعمة ازدادوا بطرًا وجددوا معصية، فيتدرجون في المعاصي بسبب ترادف النعم، ظانين أن تواترَ النعم أثْرةٌ من الله وتقريبٌ، وإنما هي خذلان منه وتبعيد.

«ثم تلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم»، أي: استشهادًا أو اعتضادًا، ﴿فَلَمَّا نَسُوا﴾، أي: عهده سبحانه، أو تركوا أمره ونهيه، وهو المعني بقوله: ﴿مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾، أي: وعظوا به، ﴿فَتَحْنَا﴾، بالتخفيف ويشدد، ﴿عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾، أي: من أسباب النعم التي في الحقيقة من موجبات النقم، ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا﴾، أي: أعطوا من المال والجاه وصحةِ البدن وطول العمر، ﴿أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾، أي: فجأة بالموت أو العذاب، فإنه أشد في تلك الحالة، ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾، أي: واجمون ساكتون متحسرون متحيرون آيسون).

قال المناوي (١): (قال إمام الحرمين: إذا سمعت بحال الكفار وخلودهم في النار، فلا تأمن على نفسك، فإن الأمر على خطر، فلا تدري ماذا يكون، وما سبق لك في الغيب، ولا تغترّ بصفاء الأوقات، فإن تحتها غوامض الآفات. وقال علي كرم الله وجهه: كم من مستدرج بالإحسان، وكم من مفتون بحسن القول فيه، وكم من مغرور بالستر عليه (٢).


(١) ينظر: فيض القدير للمناوي (١/ ٣٥٤).
(٢) يروى عن الحسن البصري، ينظر: تفسير السمعاني (٦/ ٣٠)، وفتح القدير للشوكاني (٥/ ٣٢٩)، والنكت والعيون للماوردي (٦/ ٧٢).

<<  <   >  >>