للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل لذي النون (١): ما أقصى ما يُخدع به العبد؟، قال: بالألطاف والكرامات، ثم قرأ: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾. وفي الحكم: خف من وجود إحسانه إليك، ودوام إساءتك معه؛ أن يكون ذلك استدراجًا.

والاستدراج: الأخذ بالتدريج لا مباغتة، والمراد هنا: تقريب الله العبد الى العقوبة شيئًا فشيئًا، واستدراجه تعالى للعبد أنه كلما جدد ذنبًا جدد له نعمة وأنساه الاستغفار فيزداد أشرًا وبطرًا، فيتدرج في المعاصي بسبب تواتر النعم عليه ظانًّا أن تواترها تقريب من الله وإنما هو خذلان وتبعيد).

العقوبات الخفية:

قال ابن الجوزي (٢): (كل شيء خلق الله تعالى في الدنيا، فهو أنموذجٌ ما يكون في الآخرة، وكل شيء يجري فيها أنموذج ما يجري في الآخرة، فأما المخلوق منها، فقال ابن عباس : ليس في الجنة شيءٌ يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء (٣)، وهذا لأن الله تعالى شوق بنعيم إلى نعيم، وخوف بعذاب من عذاب.

فأما ما يجري في الدنيا، فكل ظالم معاقب في العاجل على ظلمه قبل الآجل، وكذلك كل مذنب ذنبًا، وهو معنى قوله تعالى: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣].

وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله، فظن أن لا عقوبة، وغفلته عما عوقب به عقوبة، وقد قال الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة.


(١) ينظر: تفسير القرطبي (٧/ ٣٢٩).
(٢) ينظر: صيد الخاطر لابن الجوزي (ص ٦٥ - ٦٧) باختصار.
(٣) ينظر: تفسير الطبري (١/ ٤١٦)، والقرطبي (١٩/ ١٤٠)، وابن كثير (١/ ٢٠٥).

<<  <   >  >>