للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وربما كان العقاب العاجل معنويًّا، كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب! كم أعصيك ولا تعاقبني!، فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري! أليس قد حرمتك حلاوةَ مناجاتي؟.

فمن تأمَّل هذا الجنس من المعاقبة، وجده بالمرصاد، حتى قال وهيب بن الورد، وقد سئل: أيجد لذةَ الطاعة من يعصي؟ قال: ولا من همَّ.

فرب شخص أطلق بصره، فحرم اعتبارَ بصيرته، أو لسانه، فحرم صفاءَ قلبه، أو آثر شبهة في مطعمه، فأظلم سرُّه، وحُرم قيام الليل، وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك، وهذا أمر يعرفه أهل محاسبة النفوس.

وعلى ضدِّه يجد من يتقي الله تعالى من حسن الجزاء على التقوى عاجلًا، كما في حديث أبي أمامة عن النبي : «يقول الله تعالى: النظرة إلى المرأة سهم مسموم من سهام الشيطان، من تركه ابتغاء مرضاتي، آتيته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه» (١). فهذه نبذة من هذا الجنس تنبه على مغفلها.

فأما المقابلة الصريحة في الظاهر، فقلَّ أن تحتبس، ومن ذلك قول النبي : «الصبحة تمنع الرزق» (٢)، و: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» (٣).

ومثل هذا إذا تأمله ذو بصيرة، رأى الجزاءَ وفهِم، كما قال الفضيل: إني لأعصي الله ﷿ فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي (٤).


(١) أخرجه الحاكم في المستدرك برقم (٧٨٧٥) عن حذيفة بنحوه، والطبراني في الكبير برقم (١٠٣٦٢) عن ابن مسعود بنحوه.
(٢) أخرجه أحمد في المسند برقم (٥٣٠) وإسناده ضعيف، وضعفه البيهقي في الآداب برقم (٦٧٥)، قال: (والصبحة النوم عند الصباح).
(٣) أخرجه ابن ماجه برقم (٤٠٢٢)، والنسائي في الكبرى (١١٧٧٥)، وأحمد في المسند برقم (٢٢٤١٤).
(٤) ينظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (٤٨/ ٣٨٣)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (٤/ ٨٤).

<<  <   >  >>