للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن أبي عثمان النيسابوري: أنه انقطع شسعُ نعله في مُضيِّه إلى الجمعة، فتعوق لإصلاحة ساعةً، ثم قال: إنما انقطع؛ لأني ما اغتسلت غسل الجمعة (١).

ومن عجائب الجزاء في الدنيا أنه لما امتدت أيدي الظلم من إخوة يوسف: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ [يوسف: ٢٠]، امتدت أكفُّهم بين يديه بالطلب يقولون: ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ [يوسف: ٨٨]، ولما صبر هو يوم الهَمَّة، ملك المرأة حلالًا، ولما بغت عليه بدعواها: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ [يوسف: ٢٥]، أنطقها الحق بقولها: ﴿أَنَا رَاوَدْتُهُ﴾ [يوسف: ٥١].

ولو أن شخصًا ترك معصية لأجل الله تعالى، لرأى ثمرة ذلك، وكذلك إذا فعل طاعة، ولقد رأينا من سامح نفسه بما يمنع منه الشرع طلبًا للراحة العاجلة، فانقلبت أحواله إلى التنغصِ العاجل، وعُكست عليه المقاصد).

وقال أيضًا (٢): (من أراد دوام العافيةَ والسلامةَ فليتق الله ﷿، فإنه ما من عبد أطلق نفسَه في شيء ينافي التقوى، وإن قلَّ، إلا وجد عقوبتَه عاجلةً أو آجلةً، ومن الاغترار أن تسيء، فترى إحسانًا، فتظن أنك قد سومحْت، وتنسى: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾، وربما قالت النفس: إنه يَغفر، فتسامحت! ولا شك أنه يغفر، ولكن لمن يشاء.

وأنا أشرح لك حالًا، فتأمله بفكرك تعرف معنى المغفرة؛ وذلك أن من هفا هفوة، لم يقصدها، ولم يعزم عليها قبل الفعل، ولا عزم على العود بعد الفعل، ثم انتبه لما فعل، فاستغفر الله، كان فعله -وإن دخله عمدًا- في مقام خطإٍ، مثل أن يعرض له مستحسن، فيغلبه الطبع، فيطلق النظر، وتشاغل في حال نظره بالتذاذ الطبع


(١) ذكر ابن القيم هذه القصة في مدارج السالكين (٢/ ٤٣٧) عن الشيخ أبي بكر محمد بن موسى الواسطي.
(٢) ينظر: صيد الخاطر لابن الجوزي (ص ١٩٣ - ١٩٥).

<<  <   >  >>