عند الله: من الثواب الجزيل، والخير والرفعة، وأما العفو عن جنايات المسيئين بأقوالهم وأفعالهم فلا يتوهم منه الذل، بل هذا عين العز، فإن العز هو الرفعة عند الله وعند خلقه، مع القدرة على قهر الخصوم والأعداء، ومعلوم ما يحصل للعافي من الخير والثناء عند الخلق وانقلاب العدو صديقًا، وانقلاب الناس مع العافي، ونصرتهم له بالقول والفعل على خصمه، ومعاملة الله له من جنس عمله، فإن من عفا عن عباد الله عفا الله عنه.
وكذلك المتواضع لله ولعباده يرفعه الله درجات؛ فإن الله ذكر الرفعة في قوله: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١]، فمن أجلّ ثمرات العلم والإيمان: التواضع؛ فإنه الانقياد الكامل للحق، والخضوع لأمر الله ورسوله ﷺ؛ امتثالًا للأمر، واجتنابًا للنهي، مع التواضع لعباد الله، وخفض الجناح لهم، ومراعاة الصغير والكبير، والشريف والوضيع، وضد ذلك التكبر؛ فهو غمط الحق، واحتقار الناس.
وهذه الثلاث المذكورات في هذا الحديث: مقدمات صفات المحسنين؛ فهذا محسن في ماله، ودفع حاجة المحتاجين، وهذا محسن بالعفو عن جنايات المسيئين، وهذا محسن إليهم بحلمه وتواضعه وحسن خلقه مع الناس أجمعين.
وهؤلاء قد وسعوا الناس بأخلاقهم وإحسانهم ورفعهم الله، فصار لهم المحل الأشرف بين العباد، مع ما يدخر الله لهم من الثواب.
وفي قوله ﷺ:«وما تواضع أحد لله»: تنبيه على حسن القصد والإخلاص لله في تواضعه؛ لأن كثيرًا من الناس قد يظهر التواضع للأغنياء ليصيبَ من دنياهم، أو للرؤساء لينال بسببهم مطلوبه.