للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يظهر التواضع رياء وسمعة، وكل هذه أغراض فاسدة، لا ينفع العبد الا التواضع لله تقربًا إليه وطلبًا لثوابه، وإحسانًا إلى الخلق؛ فكمال الإحسان وروحه الإخلاص لله).

قال ابن الجوزي (١): (قد اعترض معترض فقال: كيف يخبر الرسول بما ينافي الحقائق، ونحن نعلم أن من تصدق من دينار بقيراط نقص؟

فأجاب العلماء فقالوا: إن الرسول لم يقصد هذا، وإنما أراد أن البركة تخلف الجزء المنفصلَ فيكون كأنه لم يزَلْ.

ووقع لي في هذا جواب آخر ينطبق على أصل السؤال، فقلت: للإنسان داران، فإذا نقل بعض ماله بالصدقة إلى الدار الأخرى لم ينقص مالُه حقيقةً، وقد جاء في الحديث: «فيُرَبِّيها لأحدكم حتى تكونَ كالجبل» (٢)، وصار كمن بعث بعض ماله إلى إحدى داريْه أو قسمه في صندوقين، فيراد من هذا أن ما خرج منك لم يخرج عنك).

وقال الصنعاني (٣) في قوله : «ما نقصَتْ صدقةٌ من مال»: (لأن الله يُخْلِفها بنصِّ: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ: ٣٩]، قال الفاكهاني: أخبرني من أثق به أنه تصدق من عشرين درهمًا بدرهم فوزنها فلم تنقصْ قال: وأنا


(١) ينظر: كشف المشكل لابن الجوزي (٣/ ٥٨٦).
(٢) نصُّ الحديث عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله : «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه، كما يربي أحدكم فُلوَّه، حتى تكون مثل الجبل»، أخرجه البخاري برقم (١٤١٠)، ومسلم برقم (١٠١٤).
(٣) ينظر: التنوير شرح الجامع الصغير للصنعاني (٩/ ٥١٦).

<<  <   >  >>