للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم (١): (والحياء من الحياة، ومنه الحيا للمطر، لكنه مقصور، وعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والروح، فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتمّ، قال الجنيد: الحياء رؤية الآلاء، ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء).

وقال الصنعاني (٢): (قوله: «فاصنع ما شئت»: فيه معنيان مشهوران:

الأول: أي: إذا لم تستح من العيب ولم تخش العار مما تفعله، فافعل ما تحدثك به نفسك من إعراضها حسنًا كان أو قبيحًا، فلفظه: أمر، ومعناه تهديد وتوبيخ.

وفي معناه قيل:

إذا لم تصُن عِرْضًا ولم تَخْشَ خالقًا … وتستحْيِ مخْلوقًا فما شئتَ فاصنعِ

والثاني: أن معناه: إذا لم يكن فيما تأتيه عيب ولا نكارة تستحي من إتيانه فاصنعه، فجعل الحياء معيارًا وميزانًا لما يباح للإنسان فعله، وقيل: معناه الإخبار أن من لم يستح فهو يصنع ما يشاء).

ومثَّل ابن الجوزي لكل وجهٍ بمثال فقال (٣): (وَفِي قَوْله: «إِذا لم تَسْتَح فَاصْنَعْ مَا شِئْت» ثَلَاثَة أوجه:

أَحدهَا: أَنه بِمَعْنى الْخَبَر، وَإِنْ كَانَ لَفظه لفظ الْأَمر، كَقَوْلِه: «فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار» (٤)، فَيكون المَعْنى: إِذا لم يمنعك الحيَاء صنعت مَا شِئْت، وَهَذَا على جِهَة الذَّم لترك الحيَاء، وَهَذَا قَول أبي عبيد.


(١) ينظر: مدارج السالكين لابن القيم (٢/ ٢٤٩).
(٢) ينظر: التنوير شرح الجامع الصغير للصنعاني (١/ ١٩٢).
(٣) ينظر: كشف المشكل لابن الجوزي (٢/ ٢٠٣)، ومعالم السنن للخطابي (٤/ ١١٠).
(٤) أخرجه البخاري برقم (١٢٩١)، ومسلم برقم (٤)، عن المغيرة ، قال: سمعت النبي يقول: «إن كذبَّا علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار».

<<  <   >  >>