للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنه وَعِيد على ترك الحيَاء، وَالمعْنَى: إِذا لم تَسْتَحِ فافعل مَا تُرِيدُ فستجازى، كَقَوْلِه: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠]، قَالَه ثَعْلَب.

وَالثَّالِث: أَنْ الْمَعْنى: مَا لم تَسْتَح مِنْهُ إِذا ظهر فافعله، فَهُوَ فِي معنى قَوْله: «الْإِثْم حوًّاز الْقُلُوب» (١)، قَالَه أَبُو مُوسَى المروزِي الشَّافِعِي).

والحياء لا ينبغي أن يمنع صاحبه من الفضائل، وإلا لم يكن حياء ممدوحًا، كالذي يمنعه الحياء من طلب العلم أو طلب الرزق، أو طلب الحق الذي له عند غيره، أو القيام بالنصيحة عند وجود موجبها، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيره.

وَمن كَلَام بعض العلمَاء: (لا ينال العلم مستحي وَلَا متكبر، هَذَا يمنعهُ حياؤه من التَّعَلُّم، وَهَذَا يمنعهُ كبره).

وَمن كَلَام الْحسن : «من استتر عَنْ طلب العلم بِالحَيَاءِ لبس للجَهْل سرباله؛ فَقَطِّعُوا سرابيل الحَيَاءِ فانه من رقَّ وَجهُه رقَّ علمُه» (٢).

ومما نقل عن بعض السلف في الحياء غير الممدوح قول أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب : «قُرنت الهيبة بالخيبة، والحياء بالحرمان» (٣).

وقال معاوية بن أبي سفيان : «الحياء يمنع الرزق».


(١) من كلام ابن مسعود ، أخرجه الطبراني في الكبير برقم (٨٧٤٨)، وأبو داود في الزهد برقم (١٢٥)، والبغوي في شرح السنة (١٣/ ٧٧)، وقال: يعني: (ما حز في صدرك وحاك، ولم يطمئن عليه القلب، فاجتنبه، فإنه الإثم). وقال ابن عمر : (لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر).
(٢) ينظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم (١/ ٤٨٠).
(٣) ينظر: عيون الأخبار لابن قتيبة (٢/ ١٢٣)، والعقد الفريد لابن عبد ربه (٢/ ٢٥٤)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (٥١/ ٢٦٤)، ومفتاح دار السعادة لابن القيم (١/ ٤٨٠).

<<  <   >  >>