للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: المنفرد وحده في السفر إن مات لم يكن بحضرته من يقوم بغسله ودفنه وتجهيزه، ولا عنده من يوصي إليه في ماله ويحمل تركته إلى أهله، ويرد خبره عليهم، ولا معه في سفره من يعينه على الحمولة، فإذا كانوا ثلاثة تعاونوا وتناوبوا المهنة والحراسة، وصلوا الجماعة وأحرزوا الحظ منها).

وقال ابن عبد البر (١): (وإنما سمي الواحد شيطانًا والاثنان شيطانان؛ لأن الشيطان في أصل اللغة: هو البعيد من الخير من قولهم: نوى شطون، أي: بائنة بعيدة، فالمسافر وحده يبعد عن خير الرفيق وعونه، والأنس به وتمريضه، ودفع وسوسة النفس بحديثه، ولا يؤمن على المسافر وحده أن يضطر إلى المشي بالليل فتعترضه الشياطين المردة هازلين ومتلاعبين ومفزعين.

وقد بلغنا ذلك عن جماعة المسافرين إذا سافروا منفردين، وكذلك الاثنان، لأنه إذا مرَّ أحدهما في حاجتهما بقي الآخر وحده، فإن شردت دابته أو نفرت، أو عرَض له في نفسه أو حاله شيء، لم يجد من يعينه ولا من يكفيه، ولا من يخبر بما يطرقه، فكأنه قد سافر وحده.

وإذا كانوا ثلاثة ارتفعت العلة المخوفة في الأغلب، لأنه لا يخرج الواحد مرة في الحاجة ويبقى الاثنان، ثم يخرج الآخر مرة أخرى ويبقى الاثنان، يكون هذا دأبًا في الأغلب في أمورهم، وإن خرج الاثنان لم يطل مكث الواحد وحده، هذا ونحوه والله أعلم ما أراد رسول الله بقوله ذلك .

وقال أيضًا (٢): (في هذا الحديث كراهية الوحدة في السفر، وأتى هذا الحديث بلفظ الراكب، ويدخل الراجل في معناه إذا كان وحده.


(١) ينظر: التمهيد لابن عبد البر (٨/ ٥٣٠).
(٢) ينظر: المرجع السابق (٢٠/ ٦).

<<  <   >  >>