للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم تختلف الآثار في كراهية السفر للواحد، واختلفت في الاثنين، ولم يُختلف في الثلاثة فما زاد أن ذلك حسن جائز.

وإنما وردت الكراهية في ذلك والله أعلم، لأن الوحيد إذا مرض لم يجد من يمرضه ولا يقوم عليه ولا يخبر عنه ونحو هذا).

وأما حديث ابن عمر ، أن النبي ، قال: «لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكبٌ بليل وحده» (١)؛ فقد نهى النبي في هذا الحديث أن يجلس الرجل لوحده، أو يسافر لوحده دون أن يكون معه رفقة، لما في ذلك من المضار التي تترتب على ذلك.

قَالَ المهلب (٢): (نهيه عن الوَحدة في سير الليل إنما هو إشفاق على الواحد من الشياطين؛ لأنه وقت انتشارهم وأذاهم للبشر بالتمثيل لهم وما يفزعهم، ويدخل في قلوبهم الوساوس، ولذلك أمر الناس أن يحبسوا صبيانهم عند فحمة الليل).

وقال ابن بطال (٣): (فإن الناس مختلفو الأحوال متفاوتو الأسباب، فمن كَمِيٍّ باسل لا يهوله هائل، ولا يبقى غول غائل، فهو لا يبالى، وحده سلك المفاوز أو في عسكر، فذلك الذي أذن عمر في السير لمثله، من المدينة إلى الكوفة وحده، حين بلغه عن سعد أنه بنى قصرًا، وأمره بإحراق بابه، ومن مخيف الفؤاد يروعه كل منظر، ويهوله كل شخص، ويفزعه كل صوت، فذلك الذي يحرم عليه أن يسافر وحده، ويمكن أن يكون الذي نهاه الرسول


(١) تقدم تخريجه.
(٢) ينظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (١٨/ ١٤٢).
(٣) ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (٥/ ٥٦).

<<  <   >  >>