للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجليله. وعرف ايضا بالعلوم الحكمية ابو عليّ الحسين بن عبد الله بن سينا الشيخ الرئيس. وحكى عن نفسه قال: ان ابي كان رجلا من اهل بلخ وانتقل منها الى بخارا في ايام نوح بن منصور واشتغل بالتصرّف بقرية خرميثن وتزوج أمّي من قرية يقال لها أفشنة وولدت منها بها وولد اخي ثم انتقلنا الى بخارا وأحضرت معلّم القرآن والأدب وكملت العشر من العمر وقد أتيت على القرآن وعلى كثير من الأدب. حتى كان يقضى مني العجب. وأخذ والدي يوجهني الى رجل كان يبيع البقل ويقوم بحساب الهند حتى اتعلمه منه. ثم جاء الى بخارا ابو عبد الله الناتلي [١] وكان يدّعي الفلسفة وأنزله ابي دارنا رجاء تعلّمي منه. فقرأت ظواهر المنطق عليه واما دقائقه فلم يكن عنده منها خبرة. ثم أخذت اقرأ الكتب على نفسي واطالع الشروح وكذلك كتاب اقليذس فقرأت من اوّله خمسة أشكال او ستة عليه ثم تولّيت حلّ الكتاب بأسره.

ثم انتقلت الى المجسطي. وفارقني الناتلي. ثم رغبت ف ٠ علم الطبّ وصرت اقرأ الكتب المصنفة فيه وتعهدت المرضى فانفتح عليّ من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة ما لا يوصف وانا في هذا الوقت من أبناء ستّ عشرة سنة. ثم توفّرت على القراءة سنة ونصفا وكلّما كنت اتحيّر في مسألة ولم [٢] أكن اظفر بالحدّ الأوسط في قياس تردّدت الى الجامع وصلّيت وابتهلت الى مبدع الكلّ حتى فتح لي المغلق منه والمتعسر. وكنت ارجع بالليل الى داري وأضع السراج بين يدي واشتغل بالقراءة والكتابة فمهما غلبني النوم او شعرت بضعف عدلت الى شرب قدح من الشراب ريثما تعود اليّ قوّتي ثم ارجع الى القراءة ومتى اخذني ادنى نوم احلم بتلك المسائل بأعيانها حتى ان كثيرا منها انفتح لي وجوهها في المنام. ولم أزل كذلك حتى أحكمت علم المنطق والطبيعيّ والرياضيّ.

ثم عدت الى العلم الالهيّ وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة فما كنت افهم ما فيه والتبس عليّ غرض واضعه حتى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظا وانا مع ذلك لا افهمه وأيست من نفسي وقلت: هذا كتاب لا سبيل الى فهمه. وإذا انا يوما حضرت وقت العصر في الورّاقين وبيد دلال مجلّد ينادي عليه فعرضه عليّ فرددته ردّ متبرّم معتقد ان لا فائدة في هذا العلم. فقال لي: اشتر مني هذا فانه رخيص أبيعكه بثلثة دراهم وصاحبه محتاج الى ثمنه. فاشتريته فإذا هو كتاب لابي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة. فرجعت الى بيتي وأسرعت قراءته فانفتح عليّ في الوقت أغراض ذلك


[١-) ] ويروى: البابلي والنابلي.
[٢-) ] ولم ر او لم.