للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واخوه وغلامان معه في زيّ الصوفيّة الى ان وصلنا الى أصفهان فصادف في مجلس علاء الدولة الإكرام والإعزاز الذي يستحقه مثله. وصنّف هناك كتبا كثيرة. (قال) وكان الشيخ قويّ القوى كلها وكانت قوة المجامعة من قواه الشهوانيّة أقوى واغلب وكان كثيرا ما يشتغل به فأثّر في مزاجه. وكان سبب موته قولنج عرض له ولحرصه على برئه حقن نفسه في يوم واحد ثماني مرّات فتقرّح بعض امعائه وظهر به سحج وعرض له الصرع الذي قد يتبع القولنج وصار من الضعف بحيث لا يقدر على القيام. فلم يزل يعالج نفسه حتى قدر على المشي لكنه مع ذلك لا يتحفظ ويكثر التخليط في أمر المعالجة ولم يبرأ من العلّة كل البرء وكان ينتكس ويبرأ كل وقت. ثم قصد علاء الدولة همذان وسار معه الشيخ فعاودته في الطريق تلك العلّة الى ان وصل الى همذان وعلم ان قوّته قد سقطت وانها لا تفي بدفع المرض فأهمل مداواة نفسه وأخذ يقول: المدبّر الذي كان يدبّرني قد عجز عن التدبير والآن فلا تنفع المعالجة. وبقي على هذا أياما ثم انتقل الى جوار ربّه ودفن بهمذان وكان عمره ثمانيا وخمسين سنة وكان موته في سنة ثمان وعشرين واربعمائة. وفيه قال بعضهم:

ما نفع الرئيس من حكمه الطبّ ... م ولا حكمه على النيّرات

ما شفاه الشفاء [١] من ألم المو ... ت ولا نجّاه كتاب النّجاة

وقيل أول حكيم توسّم بخدمة الملوك ارسطوطاليس وكان الحكماء قبله مثل فيثاغوروس وسقراطيس وأفلاطون يترفّعون عن ذلك ولا يقربون أبواب السلاطين. والدليل على ذلك ان بعض ملوك اليونانيين كان مجتازا بمكان كان فيه سقراطيس جالسا فلما دنا بقربه وهو لم ينهض ولم يتحرّك من مكانه ولا يلتفت فأقبل اليه بعض الغلمان فركله برجله.

فقال له: لم تركلني. قال له: اما تبصر الملك كيف لا تنهض وتقوم له. اجابه سقراطيس قائلا: كيف أقوم لعبد عبدي. فالتفت الملك الى مشاجرتهما فاستدعى به فحمل اليه فقال له: اي شيء قلت:. قال: قلت لا أقوم لعبد عبدي. قال الملك:

وانا عبد عبدك. قال: نعم ايها الملك أنت استعبدتك الدنيا وأنت خادمها وانا زهدتها واستعبدتها فهي عبدي وأنت عبدها. فالملك استحسن له ذلك وتقدّم بالإحسان اليه فلم يقبل. قيل وأول حكيم شغف بشرب الخمر واستفراغ القوى الشهوانية الشيخ الرئيس ابو عليّ بن سينا. ثم اقتدى به في الانهماك من كان بعده فهذان غيّرا السنّة الفلسفية.

وقيل ان شيخ الشيخ ابي عليّ في الطبّ ابو سهل المسيحيّ وكان طبيبا فاضلا منطقيا


[١-) ] الشفاء كتاب جليل من تأليف ابن سينا.