للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ناحية عسقلان واخربها. وفي سنة ثمان وثمانين رحل الفرنج نحو عسقلان وشرعوا في عمارتها. وفيها عقدت الهدنة بين صلاح الدين والانكتار ملك الفرنج لمدة ثلث سنين وثمانية أشهر اوّلها يوم اوّل أيلول.

وفيها منتصف شعبان توفّي السلطان قلج ارسلان بن مسعود بن قلج ارسلان ابن سليمان بن قتلميش بن سلجوق بمدينة قونية [١] وكان ذا سياسة حسنة وهيبة عظيمة وعدل وافر وغزوات كثيرة الى بلاد الروم. فلما كبر فرّق بلاده على أولاده فاستضعفوه ولم يلتفتوا اليه وحجر عليه ولده قطب الدين. ثم اخذه وسار به الى قيسارية ليأخذها من أخيه فحصرها مدة فهرب منه والده ودخل الى قيسارية. ولم يزل قلج ارسلان يتحول من ولد الى ولد وكل منهم يتبرّم به حتى مضى الى ولده غياث الدين كيخسرو فسار معه في عساكره الى قونية فملكها وبها توفّي قلج ارسلان وبقي ولده غياث الدين في قونية مالكا لها حتى أخذها منه اخوه ركن الدين.

وفي سنة تسع وثمانين وخمسمائة توفّي صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي بدمشق وعمره سبع وخمسون سنة [٢] وكان حليما كريما حسن الأخلاق متواضعا صبورا على ما يكره كثير التغافل عن ذنوب أصحابه. وحكي انه كان يوما جالسا وعنده جماعة فرمى بعض المماليك بعضا بسرموزة فاخطأته ووصلت الى صلاح الدين فوقعت بالقرب منه. فالتفت الى الجهة الاخرى يكلّم جليسه هناك ليتغافل عنها. وطلب مرّة الماء فلم يحضر فعاود الطلب في مجلس واحد خمس مرّات فلم يحضر فقال: يا أصحابنا والله قد قتلني العطش. واما كرمه فانه كان كثير البذل لا يقف في شيء يخرجه. ويكفي دليلا على كرمه انه لما مات لم يخلف في خزانته غير دينار واحد صوري وأربعين درهما ناصرية. ولما توفّي صلاح الدين ملك بعده ولده الأكبر الأفضل نور الدين دمشق والساحل والبيت المقدس وبعلبك وصرخد وبصرى وبانياس وهونين وتبنين الى الداروم.

وكان ولده الملك العزيز عثمان بمصر فاستولى عليها. وكان ولده الملك الظاهر غازي بحلب فملكها وأعمالها مثل حارم وتلّ باشر واعزاز ودر بساك ومنبج. وكان بحماة محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب فأطاع الملك الظاهر. وكان بحمص شير كوه ابن محمد بن شير كوه فأطاع الملك الأفضل. وكان الملك العادل أخو صلاح الدين بالكرك فسار الى دمشق. فجهز الأفضل معه عسكرا وسار الى البلاد الجزرية وهي له


[١-) ] وكانت مدة ملكه نحو تسع وعشرين سنة.
[٢-) ] وكان ملكه مصر سنة اربع وستين وخمسمائة.