للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتهمت قيادتها بالتواطؤ، وبدأت تفقد الثقة التي لابد منها لإستمرارية الثورة. وهكذا وجهت الضربة الأولى للثورة بعد وقف إطلاق النار مباشرة.

ودائماً في الفصل الثاني من البيان العام، ورد أن كلا من فرنسا والجزائر تستطيعان إنشاء مراكز جامعية وثقافية في تراب الثانية تكون مفتوحة لجميع الراغبين في ذلك، ومن جهة أخرى تقدم مساعدة لتكوين التقنيين الجزائريين (١).

هكذا، جعل الوفد الفرنسي وفد جبهة التحرير الوطني يبارك سياسة الإستعمار الثقافي التي ستكون عائقاً يمنع بناء الدولة المستقلة في الجزائر، ولمزيد من التوضيح نشير إلى أن فرنسا كانت تدرك بأن الجزائر المستقلة حديثاً لا يمكن أن تسمح لنفسها ببناء مراكز جامعية خارج ترابها، وحتى لو فرضنا أنها أقدمت على ذلك، فإن المراكز لن يقبل عليها غير المغتربين من أبنائها، في حين أن جميع الإمكانيات متوفرة لدى فرنسا لفتح عدد من المراكز الجامعية والثقافية يكون روداها كثيرون من الأهالي الذي نهلوا من ينبوع الثقافة الفرنسية أثناء وجود الإستعمار، وهم عادة من أنصاره ومحبيه رغم الإنسان الذي يتشبع بثقافته يصبح لا ينظر إلا من خلال النوافذ التي تفتحها لها الثقافة.

ولايمكن للسلطات الجزائرية الفتية أن تنتقي رواد هذه المراكز لأن ذلك يتنافى مع النص الصريح الذي يؤكد أنها مفتوحة لجميع الراغبين في أمها.

أما تكوين التقنين في المدارس الفرنسية بواسطة أساتذة فرنسيين تختارهم الدولة الفرنسية، فمعناه تكوين إطارات مشبعة بمبادئ الإستعمار الجديد لتطبيق سياسة جبهة التحرير الوطني الرامية إلى تجسيد إيديولوجيتها على أرض الواقع.

واستفادت فرنسا من محتوى هذه الفقرة إذ ما يزال مركزها الثقافي مفتوحاً للشباب الجزائري إلى يومنا هذا. بالإضافة إلى أن مدارسها وثانوياتها في العاصمة وفي كبريات المدن ظلت تستقبل أبناء الموظفين السامين في الدولة إلى غاية عام ١٩٧٥، يدرسون فيها البرامج الفرنسية على يد أساتذة معظمهم من غلاة الإستعماريين. وبديهي أن معظم المتخرجين من هذه المدارس والثانويات سيكونون -بحكم وضعهم الإجتماعي- إطارات المستقبل الذين يأخذون بيد


(١) يقول السيد لخضر بن طوبال في المقابلة التي أجريتها معه يوم ٢١ أفريل سنة ١٩٨٤: "لقد كان المفاوضون الجزائريون مدركون خطورة مثل هذه الفقرات، لكنهم وافقوا عليه تكتيكياً فقط ... إنهم لم يكونوا يحسبون مع الأزمة السياسية لصائفة إثنين وستين وتسعمائة وألف التي أبعدتهم جميعاً عن مناصب الحل والربط وبذلك يمكن القول: إن الجانب الفرنسي قد نجح".

<<  <  ج: ص:  >  >>