وتمهيداً للمظاهرات، وفي نفس ليلة الفاتح من مايو، تم توزيع آلاف
المنشورات عبر مختلف أنحاء الوطن لتكون مرشداً سياسياً بما تضمنته من تذكير بالمطالب التي يجب التركيز عليها أثناء المسيرات الشعبية وبالشعارات التي ينبغي رفعها حتى يضفي على المظاهرات، في جميع المدن والقرى الجزائرية، طابع الشمولية والوحدة، وليدرك الملاحظ، الأجنبي خاصة، أن المنطلق أيديولوجي ولا علاقة له بالخبز ولا بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي المترديين.
لقد كانت تلك المنشورات مصاغة بأسلوب تلغرافي حتى يسهل توظيفها والاستفادة من محتواها إلى أقصى الحدود، وإذا كان كل ما جاء فيها من شعارات ومطالب لا يتجاوز ما هو معمم بالفعل في أوساط الجماهير الشعبية الواعية، فإن ثمة جديداً لا بد من التوقف عنده لما له من دلالة سياسية، ويتمثل ذلك في كون تلك المنشورات لم تكتب فقط باللغتين العربية والفرنسية ولكن جزءاً منها جاء مكتوباً باللغة الانكليزية وهي دعوة صريحة للحلفاء كي يعيدوا النظر في مواقفهم الأخيرة التي حادت عن الوعود المشار إليها أعلاه.
إن كل من كتبوا حول هذا الموضوع يتفقون على أن تعليمات اللجنة المديرة لحزب الشعب الجزائري قد اتبعت بدقة شديدة، وخرج المتظاهرون في هدوء ونظام مثاليين سواء كان ذلك في سائر مدن الشرق الجزائري أو في مدن تلمسان والجزائر العاصمة ووهران. وفي كل مدينة كانت المواكب تضم أعداداً من المواطنين تفوق بكثير الأعداد التي تمكنت النقابات المختلفة من جمعها للاحتفال بعيد الطبقة الشغيلة. وتنفيذاً لما جاء في المنشورات رفع المتظاهرون لافتات كتبت عليها سائر الشعارات المحددة من طرف قيادة الحزب، وكانت الأعلام الوطنية تتقدم الأمواج البشرية التي كانت تهتف بحياة الجزائر وتنادي باسترجاع سيادتها وإقامة مؤسساتها المستقلة وإطلاق سراح معتقليها السياسيين وفي مقدمتهم الزعيم الحاج مصالي.
وعلى الرغم من أن القمع الاستعماري كان وحشياً ضد المشاركين في جميع المسيرات التي وقعت في كافة أنحاء البلاد، وعلى الرغم من أن الشرطة أطلقت النار على المتظاهرين في كثير من المدن الجزائرية وخاصة منها وهران حيث استشهد مواطنان وجرح أكثر من عشرين شخصاً، (٦٧) فإن مظاهرات العاصمة هي التي، أكثر من غيرها، قد استوقفت الكتاب والمؤرخين.
انطلقت مظاهرات العاصمة من محطات ثلاث هي: بلكور، القصبة وباب