للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكمها في سقوط الاعتبار، إلا أن العقل إن فقد بخيالات وهمية كان صاحبه مطرحا ظاهرا وباطنا، وإن فقد بحقيقة إلهية كان له حكمها، فيعظم صاحبها من حيث أنه صار محلا لمعنى شريف، ولأن تلفه كان في الله، فتعين تعظيمه لله تعالى كما تقدم (١).

وقد قال رسول الله (ص) للمجنونة التي سألته الدعاء: "إن شئت صبرت ولك الجنة" (٢) مع أنها اشتكت الانكشاف، فافهم.

ويعرف حال المجذوب من المجنون بإشارتهما، فكل من أشار إلى حقيقة مجموعة فهو مجذوب، وإن كانت صورتها أجنبية عن مقصده، ومن تفرقت إشارته، فهو مجنون، {ولتعرفنهم في لحن القول} (٣) فافهم الإشارة.

واعلم أن ما يقع ممن له بقية من عقله ممن ثبتت له الخصوصية في نظر معتقده، لا يخلو إما أن يكون مما لا يباح بوجه، كاللواط والزنى بالمعينة وشرب الخمر إدمانا، ونحو ذلك، فهذا لا يصح تأويله، وهو فيه إما عاص غير فاسق إن وقع مرة، أو فاسق إن أصر عليه، وذلك لا يصرفه عن مرتبته إلا في الحال، لحديث: "لا يزني الزاني وهو مؤمن" (٤) أي: كامل الإيمان، وفيما بعد ذلك تعود حرمته بتوبته، فإن "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" (٥)، أن


(١) انظر فصل ١٢.
(٢) الحديث في الصحيح عن ابن عباس (ض): "أن امرأة سوداء أتت النبي (ص)، قالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك"، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها"، البخاري مع فتح الباري ١٢/ ٢١٨.
(٣) محمد ٣٠.
(٤) خرجه مسلم ١/ ٧٦، من حديث أبي هريرة (ض).
(٥) خرجه ابن ماجه ٤٢٥٠ والبيهقي في الكبرى ١٥/ ١٥٤ من حديث أبي عبيدة بن عبد الله ابن مسعود عن أبيه ولم يسمع منه كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/ ٢٠٠، له شاهد من حديث ابن عباس بسند ضعيف موقوف على ابن عباس على الراجح، خرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٥٤٧٢ والبيهقي في الشعب ٥/ ٤٣٦، وذكره الحافظ في فتح الباري ١٣/ ٤٧١ لكن ابن أبي حاتم في العلل ذكر أن رواية الحديث عن أبي عبيدة عن أبيه خطأ، والصواب إنما هو عبد الكريم عن زياد بن الجراح عن =

<<  <   >  >>