للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤٤ - فصل

في تحقيق القصد في الجواب والرد.

اعلم أن كل ما أنكرناه أو رددناه فإنما هو بحسب ما انتهى إليه علمنا، ولسنا ممن ندعي الإحاطة، ولكن ممن يبدي ما عنده، فإن قبل فالمنة لله تعالى، وإن رد فنحن أهل للخطأ وقلة الإصابة، ولكن ينبغي للمتكلم بالحق أن يبين وجهه ودليله، وإلا فهو مردود عليه، إذ لا أجهل من متعصب بالباطل، أو منكر لما هو به جاهل، والاعتقاد ولاية، والاعتراض جناية (١) فإن عرفت فاتبع، وإن جهلت فسلم، ومن كان بريئا مما أنكرناه مما لا يمكن رده فلا كلام لنا معه، إنما كلامنا مع الشيء حيث يثبت، ويكون فيه محل للنكير بوجه واضح، فإن الحق أبلج، والباطل لجلج.

ولقد سمعت عن بعض أهل هذا الطريق أنه قال: لو نزل ملك من السماء يقول: ليس بصحيح، ما قبلت قوله في ذلك، هذا منه إعلام بأنه على بصيرة في الأمر، ولا بصيرة إلا بالعلم، ولا علم، ثم في تعبيره من إساءة الأدب ما لا خفاء به، نسأل الله السلامة.

وقال لي آخر: ليس لنا إلا تقليد شيخنا واتباعه، وهو أبصر بحقائق ما يأتينا به وبأصوله، لأنه عالم، وهذا كلام لا عبرة به، لخروجه عن التبصر في الدين المأمور به، والتقليد بغير دليل شرعي فيما يقتفيه، وقد قال تعالى: {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} (٢) وقال مولانا جلت قدرته: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} (٣) فالتبصر في الدين واجب، وطلب الحق لازم، والعمل بغير علم حرام،


(١) هذا مقيد بما يأتي للمؤلف بعد قليل: فحيث بان الحق أو الباطل فليس إلا الترك والفعل، وإن خالف ذلك أمر الشيخ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وحيث أشكل فبصير ة الشيخ مقدمة، والاعتراض حرمان.
(٢) القصص ٥٠.
(٣) يوسف ١٠٨.

<<  <   >  >>