في بيان طريق العجم، وما لهم فيها من رسوخ قدم وزلل قدم
والنفوس عندهم أواني، والأواني ثلاثة:
الأولى: آنية خالية من الخير والشر، فهي تقبل ما يلقى فيها وإليها، قال ابن أبي زيد (ض): واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير، وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه، ومعاملتهم في هذه النفس بتعميرها بالذكر والأدب مجردا عما سواه، ولذلك تشير طريق الفتحية في أصلها، بناء على أن نفوس المتوجهين خلية بأول التوجه، ولكن التعميم أخل بمتأخريهم مع أمور أخرى من الجهل، والله أعلم.
الثانية: آنية عامرة بالخير، فهي لا تقبل غير ما فيها، إلا ما كان من نسبته فيلقون له على حسب حاله لتنمية همته، والزيادة في تربيته، تارة بالخلوة والذكر، وتارة بالجلوة والخدمة، فإن خير السلوك وأسهله ما أعانت عليه الطبيعة، وكانت الخفيفة منصبغة ببعضه، وإلى هذا يشير كثير من أصحاب الخلوات، فافهم.
الثالثة: آنية عامرة بالخير والشر (معا، وهذ٥ التي يحتاج فيها للمعالجة القوية، فإن داعي الخير يحتاج إلى التثبيت)(١) وداعي الشر يحتاج إلى النفي، وهما في الشخص كالخلط النازل، والقوة الفاعلة، يتحرك الخلط فيقوى الألم، وتدفعه القوى فتظهر الصحة، فلا يتبين لصاحبه صحة ولا سقم، ومن هنا ألزموا مريدهم المشاق، وسلوك طريق الانتفاع والتجريد في عالم الأجسام والمعقول والمحسوس، وارتكبوا أهوال الجوع والسهر وكثرة الأعمال، كما درج عليه مشايخهم وشدد بعضهم في ذلك إلى ما علم من ربط نفسه بالحديد، وكي جسمه بالنار، إلى غير ذلك، مما هو جهل بالحقيقة، وضرر بالصورة، وصدق عند من لا علم عنده، وهو طريق لا