للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣٣ - فصل

في استئذانهم في الواجبات والضروريات الدينية

والدنيوية والإلزام بذلك.

وهو شيء بنوه على أن المريد يتعين عليه أن لا يتنفس نفسا إن أمكنه إلا بإذن أستاذه، ليكون أجمع لقلبه وأقرب لتأدبه، وأثبت في خروجه عن نفسه، وأنفى لعلله، وذلك لا يجري في الواجبات ولا في الضروريات، لأن الشيخ معزول عن النظر فيها بوجوبها، والمريد ممنوع عن الاختيار فيها بلزومها له على كل حال، فاستئذانه جهل، واشتراطه ضلال، لوجوه ثلاثة:

أحدها: أنه مخالف للسنة في التضييق، وما كان الصحابة يستشيرونه (ص) إلا في الأمور المهمة المتجددة الوقوع، لا اللازمة بكل حال، مع أن بعضهم كان لا يفارقه بحال، ومع ذلك لم يثبت عنهم شيء من ذلك، بل ثبت عنهم خلافه، كحديث جابر (ض) في التزويج (١) وعبد الرحمن بن عوف إذ رأى عليه أثر صفرة، إلى غير ذلك، وهم كانوا أعظم الناس احتراما له (ص)، وأقواهم أدبا في حقه (ص)، وهو أحق من يتأدب معه، فإن قالوا: الآداب أمور عاديات، والعاديات جارية بحسب عرف كل قوم، وهذه آداب الأعجام، فلا تنكر عليهم، لأنه (ص) لم ينه قوما عن زيهم (٢) قلنا: إن صح كونها عادية دخلها الابتداع من حيث إضافتها للدين، باشتراكها في أصل الديانة، مع ما يجرى من الخلاف في العاديات، هل يدخلها الابتداع أم لا، وقد مر أنه لا ينبغي أن يختلف فيما رسم من ذلك برسم الديانة، والله أعلم.


(١) حديث جابر في التزويج لفظه كما جاء في صحيح مسلم ٢/ ١٠٩٠، قال جابر: تزوجت امرأة على عهد رسول الله (ص)، فقال: "أتزوجت يا جابر؟ "، قلت: نعم، قال: أبكرا أم ثيبا؟ قلت: ثيبا، قال: "فهلا بكرا تلاعبها"، قلت: كن لي أخوات فخشيت أن تدخل بيني وبينهن، قال: "فذاك إذا".
(٢) الحديث في زواج عبد الرحمن بن عوف في البخاري وغيره، انظر البخاري مع فتح الباري ١١/ ١١٠.

<<  <   >  >>