للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحكمة يمانية (١)، ومكة أم القرى والمدية قرية تأكل القرى (٢)، وهذا كله في العموم، وإلا ففي كل قطر سادات، وفي كل محل قادة يعرفون بالخروج عن رديء طبائع الجهة التي هم فيها، كالبخل وسوء الخلق عند أهل المغرب الأقصى في الجملة، وقلة الغيرة ورقة الديانة في أهل المشرق، ولهذه الجملة بسط ليس هذا محله، وبالله التوفيق.

...

٦٣ - فصل

في آداب مهمة على الفقير يتعين عليه مراعاتها

وأهمها غناه بربه على كل حال، وذلك بستر حاله عن أشكاله، فلتكن غيرة الفقير على فقره أكثر من غيرة الغني على غناه، فإن كان على التجريد فلا يأخذ بإشراف ولا تعريض ولا إلحاف، ولا يتعرض جهة إلا بثمنها، إلا في الأمر التافه، ولا يسامح نفسه في الترخص في الأخذ، ويحذر آفة الرد كما يحذر آفة الأخذ، وكل مريد مال لركوب الخيل ومواقف الرئاسة واللهو فهو مخدوع.

وكذلك إن آثر المصالح العامة أو اشتغل بتغيير المنكر في العموم، حيث لا يجب عليه بوجه واضح لا ضرر فيه ولا إذاية للمسلمين، أو سره ميل القلوب إليه أو إقبال أصحاب المراتب عليه، أو أخذ بالفضائل الجمهورية المغيرة لقلوب الأمراء، والمشاركة لهم في مراتبهم كالجهاد ونحوه دون أمر منهم، أو مع عورات إخوانه أو تشوف الأخبار الغيبية دون ضرورة، أو تولع بالأراجيف والأخبار السلطانية واستجلاء الكلام فيها، أو عظم الأغنياء على الفقراء، أو احتقر أهل النسبة للطريق، أو رأى لنفسه رتبة


(١) حديث متفق عليه البخاري مع فتح الباري ٩/ ١٦١ ومسلم ١/ ٧١.
(٢) الحديث في الصحيح عن أبي هريرة (ض)، قال: قال رسول الله (ص): ((أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون: يثرب، وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد))، ومعنى تأكل القرى: تغلبها وتفتحها، البخاري مع فتح الباري ٤/ ٤٥٨، ومسلم ٢/ ١٠٠٦.

<<  <   >  >>