للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تصح بدون حقيقة، لأنها شرط وجودها، وما وجد عريا عنها فليس بتمام في حكمه، وإن كان ظاهر صورته الكمال، فاعرف ذلك، والخارج من ذلك أن المغربي إذا ظهر بصورة حق لا يصح أن يشك في تحققه بها، ما لم يخالط المشارقة، فيتهم بما هم عليه، بخلاف المشرقي فافهم.

وأهل الجنوب يغلب عليهم الخبط والاغترار وعدم التوقف في الأمور مع شيء من اللين وخفة العقل، وقلة التذكر، وإن كانت الحقيقة أمس بقلوبهم، فالطريقة التي هي الأدب، مفقودة منهم في الغالب، والله

أعلم.

وأهل الشمال يغلب عليهم التوقف والتنكر وقلة المكر مع الجفاء والغلظة وشدة البأس وسريان الحقيقة في الحركات على وزن يقارب الطباع، ويبعد من الانطباع، فلهم إلمام بالآداب على وجه قليل في الغالب، والله أعلم.

ثم ما قرب من المغرب كان على وزنه في الوجه، وما قرب من المشرق له حكمه، ولذلك كان أهل المغرب الأقصى موسومين باستحقاق ما يعاملون به من لين أو غلظة، كما أشار إليه القرآن في قصة ذي القرنين، إذ قال تعالى: {إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا} (١).

وقيل في أهل الأندلس: إنهم أهل حمق وتناصف، وفي أهل الجبال:

أنهم أهل وبال، وأهل السواحل أهل لين وقلة دين، ويقال: المغربي كالجوزة، ظاهرها قاس وباطنها طيب، والإفريقي كالثمرة، ظاهرها لين وباطنها قاس، والمصري مثل حبة التين طيبها طيب، ولكن لا يدوم، وخبيثها لا يمكن جبره.

فأما الحجاز واليمن وما في معناهما فأسلم الناس طباعا وأحسنهم حالا، لتوسطهم بين الجميع حكما وحكمة، ولذلك كان الإيمان يمان


(١) الكهف ٨٦.

<<  <   >  >>