للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذهن بالخلافيات، واتساع التأويل في الحركات، ورؤية النفس بالتحصيل، مع مصاولة الأقران ومكائد الإخوان، والاشتغال بوجوه الهذيان، فتعلم مستمعا ساكتا، مقتصرا على محل الفائدة، متبرئا من الدعوى ورؤية النفس، تسلم من آفاته، وبالله التوفيق.

الثالث: علم التصوف والأحوال، وفائدته تحقيق العبودية، والنظر في وجه تعظيم الربوبية، بإقامة الحقوق، والإعراض بالحق عن كل مخلوق، وأقل ما يجزئ فيه (بداية الهداية) للغزالي، وأوسطه منهاجه أو بعض كتب المحاسبي، وأعلاه كتب ابن عطاء الله ومن نحا نحوه، وأما كتب الحاتمي (١) وابن سبعين وابن الفارض (٢) وأبي العباس البوني (٣)، ومن جرى مجراهم، فلها رجال لهم في الحقائق مجال، وعندهم في التمييز مقال، فلا يشتغل بها في البداية إلا غوي، ولا في النهاية إلا خلي، ولا في التوسط إلا ذكي (٤) يأخذ بما بان رشده، ويسلم ما وراء ذلك، ليسلم من آفاته، وما هو إلا كما قال بعضهم في ترجمة من كتاب له: بحر طامس، يحتاج لبحري غاطس، وقد أولع به قوم فضلوا وأضلوا، وفارقوا العمل بما توهموه، فزلوا وربما ادعوا ما فهموه أو تنسموه حالا لأنفسهم، فافتضحوا بشواهد الأحوال، كما قيل:

من تحلى بحلية ليست فيه ... فضحته شواهد الامتحان


(١) هو محيي الدين بن عربي تقدمت ترجمته، انظر فصل ٩.
(٢) تقدم فصل ٩.
(٣) هو أحمد بن علي بن يوسف، متصوف مغربي، له مصنفات في علم الحروف، ومن كتبه شمس المعارف الكبرى، وهو من الكتب التي يأتي للمؤلف أنها واجبة الاجتناب، الأعلام ١/ ١٦٩.
(٤) قارن هذا مع قوله فيما يأتي: وقد أولع بها قوم فضلوا وأضلوا إلخ، وهذا هو الذي يعول عليه، ثم إن قوله هذا لا يتفق مع كلامه في فصل: (فيما يتبع من أمور الصوفية المحققين وما يترك)، بأن كل ما جاء عن صاحب الوجد والذوق يعرض على الكتاب والسنة إلخ، انظر فصل ٦، وقد تعرض المؤلف لهذه الطائفة أيضا في فصل ٩: (في ذكر ما ظهر في هذه الأزمنة من حوادث).

<<  <   >  >>