للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ممن {زين له سوء عمله فرآه حسنا} (١) وتارة: ممن {اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} (٢) وتارة: ممن {اتبع هواه بغير هدى من الله} (٣) ولا يزال به الأمر حتى ينتهي إلى حد الابتداع، ثم إلى حد الزندقة والكفر، كل ذلك من انتصاره لنفسه، وظنه الحق في موضع الباطل، وهو باب من الجهل كبير.

قال في الحكم: من جهل المريد أن يسيء الأدب فتؤخر العقوبة عنه، فيقول: لو كان هذا سوء أدب لقطع الإمداد وأوجب الإبعاد، فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر، ولو لم يكن إلا منع المزيد، وقد تقام مقام البعد من حيث لا تدري، ولو لم يكن إلا أن يخليك وما تريد.

قال ابن خفيف (٤): استدامة الكد، وترك الراحة، وليس شيء أضر على المريد من مسامحة النفس في قبول الرخص والتأويلات، وقال يوسف (٥) بن الحسين (ض): إذا رأيت المريد يشتغل بالرخص، فاعلم أنه لا يجيء منه شيء، وقال أبو إسحاق بن شيبان (٦): من أراد أن يتعطل


(١) فاطر ٨.
(٢) الجاثية ٢٣.
(٣) القصص ٥٠.
(٤) هو الإمام أبو عبد الله محمد بن خفيف بن اسفكشار الضبي، شيخ الصوفية، جمع بين العلم والعمل وعلو السند، والتمسك بالسنن، قال يوما لبعض أصحابه: اشتغلوا بتعلم شيء، ولا يغرنكم كلام الصوفية، فإني كنت أخفي محبرتي في جيب مرقعتي، والورق في حجزة سراويلي، وأذهب في الخفية إلى أهل العلم، فإذا علموا بي خاصموني، وقالوا: لا يفلح، ثم احتاجوا إلي، روي أنه كان به وجع الخاصرة، فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة، فكان إذا نودي بالصلاة يحمل على ظهر رجل، فقيل له: لو خففت على نفسك؟ قال: إذا سمعتم حي على الصلاة، ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقبرة، ذكر ذلك كله الذهبي في سير أعلام البلاء ١٦/ ٣٤٢ وما بعدها (ت ٣٧١) انظر طبقات الصوفية ٤٦٢.
(٥) في ت ١ أبو يوسف، والصواب ما أثبت، وهو يوسف بن الحسين الرازي، كان عالما أديبا، صحب ذا النون المصري (ت ٣٠٤)، انظر طبقات الصوفية ١٨٥.
(٦) هو أبو إسحاق إبراهيم بن شيبان القرميسسني، له مقامات في الورع والتقوى (ت ٣٣٧ هـ) شذرات الذهب ٢/ ٣٤٤ وطبقات الصوفية ٤٠٢.

<<  <   >  >>