للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بباطل، ومن الوسوسة الابتداع في الدين مع رؤية الامتياز، ومن الكسل الإسراع لكل جهة يتوهمون فيها الكمال، ومن رؤية الأهلية الخبط والخوض فيما لم يحسنوا، ومن التعزز طلب الباطل بصورة الحق فحصل الفساد من جهة الصلاح، وما حجب العلماء عن العمل إلا تعلمهم العلم لغيرهم، وما أوجب لهم التشمير إلا تعلمهم ذلك، لأنفسهم، فإن من تعلم العلم لنفسه اهتدى وتبصر (١) ومن تعلم العلم لغيره، فقل أن ينتفع به، وعقوبة العالم موت قلبه (٢) أي: طلب الدنيا بعمل الآخرة (٣)، كما ورد به الأثر، فتعلموا العلم لتعملوا به، لا لتكتسبوا به، واجعلوه حجة على أنفسكم، لا لها ولا على الناس، وإياكم والاحتجاج بوقائع العلماء بدلا مما تحققتم علمه، فقد ضل كثير من الناس لهذا الباب (٤)، ولعل للواقع فيما ذكر عذرا لم نطلع عليه، وبالله التوفيق.

...


(١) في ت ١: تصبر.
(٢) قال عبد الله بن مسعود: إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه للخطيئة التي كان يعملها، انظر سنن الدارمي ١/ ١٠٥.
(٣) جاء في سنن الدارمي ١/ ١٠٣، عن عبد الله بن مسعود (ض)، قال: من طلب العلم لأربع دخل النار؛ ليباهي به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه، أو ليأخذ به من الأمراء، وجاء في المدارك ١/ ١٨٥، أن الإمام مالك كان يقول: أخسر الناس من باع آخرته بدنياه، وأخسر منه من باع آخرته بدنيا غيره، ودخل الحسن السوق، فساوم رجلا بثوب، فقال: هو لك بكذا وكذا، والله لو كان لغيرك ما أعطيته، فقال: فعلتموها، فما رؤي بعدها مشتريا من السوق ولا بائعا حتى مات، سنن الدارمي ١/ ١٤٢.
(٤) كثيرا ما يحتج الناس لأنفسهم إذا كانوا على عمل غير مرضي بعمل فلان وفلان من أهل العلم، وهم يعلمون أن هؤلاء الذين يحتجون بهم على طريق معوج غير قويم، لكنهم وجدوا في عمل العالم سندا لما يوافق رغباتهم، ويردون به على من أرشدهم ووجههم، ولذا كانت زلة العالم وزرا تجر أوزارا، ولا تعفي المحتج بها من مسؤولية عمله كما قال المؤلف وحذر: إياكم والاحتجاج بوقائع العلماء بدلا مما تحققتم علمه ... إلخ.

<<  <   >  >>