للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما تستحي من الله وقد وقفت البارحة مسخرة للشيطان وملعبة له، ورقبتك مصفعة له، وناصيتك بيده، وأنت في هذا كله تلتذ، ثم الداهية العظمى، والطامة الكبرى، والداء العضال، والمصيبة الآزفة، التي ليس لها من دون الله كاشفة، أني أقول في تلك الحالة كلها: إني مع الله، وفي الله، وبالله قمت، وفي الله شطحت، وإلى الله وصلت، وقلت: وقيل لي، ويعتب (١) لذلك هؤلاء بالغمر الجهال مثله، فيقول: لم لم تسألوني إذ رجعت من حالي، ولو سئل لافتضح، ولو فرضت أنه أجاب، فقد يجيب الكاذب عما يسأل عنه، ويؤيده الشيطان بخيالات ينصبها له ويبديها في سره، فيعبر عنها، قل الله تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم} (٢) الآية، فهذا ولي الشيطان ينطق بلسانه وهو مطيع له، فانتظم في أهل الشرك، فناهيك من مجلس يحوي ويضم المشركين وأولياء الشيطان، ثم قال: وأخبرني شيخي وكان من أهل الكشف والوجود، عن رجل أعمى البصر من الصالحين، حضر مبيتا في سماع بمدينة فاس، فقال الأعمى: هذا إبليس قد دخل على صورة معز، فرآه يشم واحدا واحدا. قال الشيخ: وقعد الأعمى ينعت الجماعة الأول فالأول على التتابع، كما هم عليه من اللباس والصورة، وهو يقول: نرى الملعون يمشي عليهم ناظرا إليهم، حتى قال: نراه واقفا عند واحد عليه غفارة حمراء، وعمامة، وإحرام، التفتوا إليه، قال: فالتفتنا إليه، فرأيناه يستجلب الحال، فقال الأعمى: إن الملعون قد توقف عند هذا الرجل، ثم قال: نراه يريد أن ينطحه بقرنه، ثم قال: قد حمل عليه فنطحه بقرنه، فإذا ذلك الرجل قد صاح صيحة عظيمة، وغلب عليه الحال، وقام يشطح، فقام المجلس لقيامه، وهو بهذه المثابة ما أحسن قول الله تعالى إذ يقول: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} (٣) فناهيك من حطة لم يرضها لنبيه (ص) وقال: {إن


(١) أي: يعتب عليهم ويلوم: لم لم تسألوني.
(٢) الأنعام ١٢١.
(٣) يس ٦٩.

<<  <   >  >>