للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كيف يفلح من لم يخالط مفلحا وكان الصحابة (ض) ينتفعون برؤيته (ص)، حتى قال أنس (ض): والله ما نفضنا التراب عن أيدينا من دفه (ص) حتى وجدنا النقص في قلوبنا، وكانت الصحبة عندهم لتعلم الآداب، وأخذ العلم بوجه يعرف أحدهم بالتزام الوجه الذي يأخذ منه ويواليه موالاة من يرى فضله عليه، ويشكر إحسانه إليه، من غير زائد على ذلك، وأصلهم في ذلك قوله تعالى: {واتبع سبيل من أناب إلي} (١) الآية، فلما غلب الخبط على النفوس والتخليط على القلوب، ظهر متأخرو الصوفية في الاصطلاح في التربية وترتيب المشيحة على ما هو معلوم من شأنهم، مستندين لما ذكرنا من قوله تعالى: {واتبع سبيل من أناب إلي} الآية، ولأنه (ص) كان يربي أصحابه فيعطي كلا ما يليق به، إذ قد أوصى واحدا بقوله: "لا تغضب" (٢) وقال لغيره: "قل ربي الله، ثم استقم" (٣) وقال لآخر: "لا يزال لسانك رطبا بذكر الله" (٤)، وخص قوما بأذكار وعلوم، كمعاذ بحديث: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق" (٥) وحذيفة (ض): بالسر (٦) وتفقد عليا


(١) لقمان ١٥.
(٢) خرجه البخاري في الصحيح من حديث أبي هريرة (ض) أن رجلا قال للنبي (ص): أوصني، قال: "لا تغضب"، البخاري مع فتح الباري ١٣/ ١٣٤.
(٣) هو حديث سفيان بن عبد الله ... الثقفي، قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل أحدا بعدك، خرجه مسلم في الصحيح حديث رقم ٣٨، ولفظ المؤلف خرجه الترمذي ٤/ ٦٠٧، وقال: حسن صحيح.
(٤) خرجه الترمذي من حديث عبد الله بن بسر (ض) أن رجلا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: "لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله"، الترمذي ٥/ ٤٥٨، وقال: حسن غريب من هذا الوجه.
(٥) خرجه البخاري من حديث أبي ذر (ض) بلفظ: "من مات لا يشرك بالله ... شيئا دخل الجنة"، فقلت: وإن زنى وإن سرق، قال: "وإن زنى وإن سرق"، وأما حديث معاذ وهر الذي يعنيه المؤلف فهو بلفظ: وما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار"، قال: يا رسول الله، أفلا أخبر بها الناس، فيستبشروا، قال: "إذا يتكلوا"، فأخبر بها معاذ عند موته، تأتما. مسلم ١/ ٦١ حديث رقم ٥٣.
(٦) في الصحيح عن أبي الدرداء: "أليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره، يعني حذيفة"، البخاري مع فتح الباري ٨/ ٩٣.

<<  <   >  >>