للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند الله ممن (١) حفظ آية من كتاب الله ثم نسيها، أو قال: ضيعها" (٢) الحديث، وهذا أمر قد وقع لجماعة، ممن خالط هؤلاء الناس لسبب نهيهم له عن التلاوة، ويرون ذلك كمالا وإنما هو نقص وضلال، وأغرب ما سمعته في ذلك عن أستاذهم، أن شيخه دخل عليه وهو يتلو، فقال: خل عنك يا فلان ما وصل الرجال إلا بالذكر، وهذه كلمة سوء تؤذن باحتقار كتاب الله، وأن الذكر أفضل منه، والأحاديث تدل على خلاف ذلك (٣) أعاذنا الله من البلاء، ثم ما ذكره الإمام الغزالي وغيره في ذلك، من أن من كان حضوره بالذكر أتم فهو في حقه أفضل، معتبر بالأحوال والأشخاص بعد تسليم أن القرآن أفضل وأنفع، وأنه لا ينتقل عنه إلا للضعف عن حمل أنواره، أو لما ورد نصا في محله، وأنتم قد أتيتم بالأمر عموما، فلا يصح لكم ذلك، والله أعلم.

وأما العلم فما عند الأكابر لا ينفع الأصاغر إلا بتعليمه، ولا تعليم إلا من حيث صورة ما أنتم عليه، بل كافة أصحابكم جهال بأحكام العبادات


(١) في ت ١: (من رجل حفظ).
(٢) جزء من حديث خرجه الترمذي وأبو داود عن أنس مرفوعا، أوله: "عرضت علي أجور أمتي"، وهو ضعيف، قال الترمذي ٥/ ١٧٩ بعد أن ذكره: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال: وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه واستغربه، قال محمد - يعني البخاري -: ولا أعرف للمطلب بن عبد الله سماعا من أحد من أصحاب النبي (ص)، إلا قوله: حدثني من شهد خطبة النبي (ص)، قال: وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: لا نعرف من المطلب سماعا من أحد من أصحاب النبي (ص)، قال عبد الله: وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس، وذكره الحافظ في الفتح ١٠/ ٤٦٣.
(٣) من ذلك ما رواه أحمد عن سمرة، قال: قال رسول الله (ص): "أفضل الكلام بعد القرآن - وهن من القرآن - أربع لا يضرك بأيتهن بدأت؛ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبره"، المسند ٥/ ٢٠، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/ ٩١: رجاله رجال الصحيح، فأفضل أنواع الذكر القرآن، ثم الذكر والثناء على الله، ثم أنواع الأدعية، وانظر زاد المعاد فصل: في هديه في الذكر. فهذا من حيث العموم، لكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل، وذلك إذا طلبه الشارع في وقت معين أو حال مقيد، كالتسبيح في الركوع والسجود، والذكر عقب الصلوات بالتسبيح والتحميد والتكبير، والذكر بحكاية الآذان عند سماعه، فإن ذلك في محله أفضل من قراءة القرآن، الوابل الصيب ص ٨٦، وانظر زاد المعاد، ويأتي للمؤلف هذا التفصيل من أن كل شيء في محله أفضل من غيره، انظر فصل ٢٨.

<<  <   >  >>