فوائدها إلا قصّرت، ولا تظفر بحكمة فظننت أنها زُبدة حِكَمِها إلا وقد أخللتَ" - ٣٢٢
* * *
إلى أين وصل الباقلانى في بيان إعجاز القرآن من جهة البلاغة، بعد طول الجهد وعناء النقل للمطولات من القصائد والخطب والتصدي لنقدها؟
أوثر هنا أيضاً أن أترك له تلخيص جهده فيه واستخلاص ثمرته، وإيضاح الشوط الذي قطعه على الطريق لفهم الإعجاز البلاغي، حيث يقول:
"فالقرآن أعلى منازل البيان، وأعلى مراتبه ما جمع وجوه الحسن وأسبابه، وطرقه وأبوابه: من تعديل النظم وسلامته وحسنه وبهجته، وحسن موقعه في السمع وسهولته على اللسان، ووقوعه في النفس موقع القبول وتصوره تصور المشاهدَ، وتشكله على جهته حتى يحل نحل البرهان ودلالة التأليف، مما لا ينحصر حسناً وبهجة وسناء ورفعة.
"وإذا علا الكلام في نفسه كان له من الوقع في القلوب والتمكن في النفوس، ما يذُهل ويبهج، ويقلق ويؤنس، ويطمع ويؤيس، ويُضحك ويبكي، ويحزن ويُفرح، ويسكن ويزعج، ويشجي ويطرب، ويهز الأعطاف ويستميل نحوه الأسماع، ويورث الأريحية والعزة، وقد يبعث على بذل المهج والأموال شجاعة وجوداً، ويرمي السامع من وراء رأيه مرمى بعيداً. وله مسالك في النفوس لطيفة، ومداخل إلى القلوب دقيقة.
"وبِحَسَبِ ما يترتب في نظمه ويتنزل في موقعه، ويجرى على سمت مطلعه ومقطعه، يكون عجيبُ تأثيراته وبديع مقتضياته. وكذلك على حسب مصادره يُتصور وجوه موارده. وقد ينبئ الكلام عن محل صاحبه، ويدل على مكان متكلمه وينبه على عظيم شأن أهله وعلى علو محله" - ٤١٩