بالقلب - ولم يُعرف في تاريخ البشر أن كلاماً قارب القرآن في قوة تأثيره في العقول والقلوب، فهو الذي قَلَبَ طباعَ الأمة العربية وحولها من عقائدها وتقاليدها، وصرفها عن عاداتها وعداواتها، وصدف بها عن أثرتها وثاراتها، وبدلها بأميتها حكمة وعلماً، وبجاهليتها أدباً رائعاً وحلماً، وألف من قبائلها المتفرقة أمة واحدة، سادت العالم بعقائدها وفضائلها وعدلها وحضارتها وعلومها وفنونها.
"اهتدى إلى هذا النوع من إعجازه بعضُ حمكاء أوربة مستنبطاً له من هذه الغاية التاريخية، وقد رأينا وروينا عن بعض أدباء هذه اللغة، من غير المسلمين، أنهم يذهبون في بعض ليالي رمضان إلى بيوت معارفهم من المسلمين ليسمعوا القرآن ويمتعوا ذوقهم العربي وشعورهم الروحاني الأدبي بسماع آياته المعجزة. وقد شهد له أهل العلم والإنصاف منهم بهذا الإعجاز في النظم والأسلوب، والبلاغة يغوص تأثيرها في أعماق القلوب. ولكنهم لم يفقهوا دلالة ذلك على أنه من عند الله - عز وجل -.
"ولو شئت أن أورد الشواهد على هذا الوجه لخرجت عن الاختصار الذي التزمته في هذا الفسل. إنك لتجد من التنبيه على عجائبها في كل جزء من هذا التفسير ما لا تجده في غيره حتى الدقه في معاني مفرداته وتحديد الحقائق في جُمَلِه، ومزج المعاني الكثيرة في أسلوبه، ولطف التناسب بين آياته وبين سُورة. ومن أعجبها ضروب الإيجاز التي انفرد بها وكثرة تكراره للمعنى الواحد بعبارات لا يملها قارئ ولا سامع، ومن العجب غفلة أكثر ظلاب البلاغة عنها".
وبهذا أضاف الشيخ الإمام محمد عبده إلى دلائل الإعجاز كما بينها الجرحاني: ضرورة الإتصال بروائع الفصحى لكسب ذوقها الذي به تُدرك بلاغة النظم المعجز.
كما لفت إلى الأثر النفسي لفن القول، وهو الملحظ الذي انظلق به أستاذنا أمين الخولي إلى مداه الرحب، فقدم فيه رسالته عن (الإعجاز النفسي للقرآن) .