وننظر في حروف أخرى لم يقولوا فيها بتأويل على تقدير زيادة أو حذف، وإنما أخذوا فيها بمذهبٍ للنحاة يقول إن حروف الجر يمكن أن تتعاقب فيأخذ أحدها مكان الآخر وينوب بعضها عن بعض. . . "وهذا مما يتداولونه ويستدلون به" كما قال "ابن هشام".
وهو مذهب رفضه من وصفهم "أبو هلال العسكري" بالمحققين من أهل اللغة، ونقل عن "ابن درستويه" قوله:
"في جواز تعاقبهما - أي الحرفين - إبطالُ حقيقة اللغة وإفسادُ الحِكمة فيها والقولُ بخلاف ما يوجبه العقل والقياس".
"قال أبو هلال: وذلك أن الحروف إذا تعاقبت خرجت عن حقائقها ووقع كل واحد منها بمعنى الآخر، فأوجب ذلك أن يكون لفظان مختلفان لهما معنى واحد. فأبى المحققون أن يقولوا بذلك، وقال به من لا يتحقق المعاني".
وقال "ابن هشام" تعقيباً على قولهم إن بعض حروف الجر ينوب عن بعض: "وتصحيحه بإدخال (قد) على قولهم: ينوب عن بعض. وإلا تعذر استدلالهم به، إذ كل موضع ادعوا فيه ذلك، يقال لهم فيه: لا نسلم أن هذا مما وقعت فيه النيابة. ولو صح قولهم، لجاز أن يقال: مررتُ في زيد، ودخلت من عمر، وكتبت إلى القلم.
"وعلى أن البصريين ومن تبعهم يرون في الأماكن التي ادُّعِيتْ فيها النيابة، أن الحرف باق على معناه" فإن كان تجوُّز فليكن في الفعل، لأن التجوز في الفعل أسها منه في الحرف.
ونعرض هذا الخلاف على البيان الأعلى: فيأبى أن نتأول حرفاً منه بحرف آخر