إبعاد الإيمان عما قبله، والتراخي في الرتبة لا الترتيب.
قالوا: إن "ثم" جئ بها هنا قصداً إلى إبعاد الإيمان عن فك رقبة أو إطعام يتيم أو مسكين، كيلا يكون معهما في رتبة واحدة. ونص عبارة "الزمخشري" في (الكشاف) :
"جاء بـ (ثم) لتراخي الإيمان وتباعده في الفضيلة والرتبة عن العتق والصدقة، لا في الوقت. لأن الإيمان هو السابق المقدم على غيره، ولا يثبت عمل صالح إلا به"
وإلى مثل هذا ذهب "أبو حيان" وزاده تفصيلاً فقال:
"ثم: لتراخي الإيمان في الفضيلة لا للتراخي في الزمان، لأنه لابد أن يسبق تلك الأعمال الحسنة الإيمانُ، إذ هو شرط في صحة وقوعها من الطائع. أو يكون المعنى: ثم كان في عاقبة أمره من الذين وافوا الموتَ على الإيمان إذ الموافاة عليه شرط في الانتفاع بالطاعات، أو يكون التراخي في الذكر، كأنه قيل: ثم اذكر أنه كان من الذين آمنوا. . . ".
* * *
وبعيداً عن مثل هذه التأويلات، نأخذ حرف "ثم" على صريح معناه في السياق، فنفهم أن القرآن إذ يرتب مراحل اقتحام العقبة الجدير بالإنسان المميز أن يكابده، يضع العتق والتراحم خطوتين سابقتين على الإيمان لازمتين له، مقرراً بذلك أن الإيمان لا يُرجَى فيمن يتسلط على عباد الله بالاسترقاق، أو يتحجر قلبه فيطيق في يوم ذي مسْغبة، جوعَ يتيم ذي مقربة أو مسكين ذي متربة. فلا موضع لإيمان صادق، من مثل هذا الجاحد القاسي، يستعبد الخلق ويغفل عن حق اليتيم القريب أو المسكين في يوم مجاعة!. ويؤنس إلى هذا الفهم لحرف "ثم" آية الماعون: