أكتفي بما قدمت من شواهد تؤيد ما ذهب إليه المحققون من أهل اللغة في إنكار القول بالترادف إلا أن يجئ في لغتين "فأما أن يجئ في لغة واحدة فمحال أن يختلف اللفظان والمعنى الواحد، كما ظن كثير من النحويين واللغويين. وإنما سمعوا العرب تتكلم بذلك على طباعها وما في نفوسها من معانيها المختلفة، وعلى ما جرت به عادتها وتعارفُها، ولم يعرف السامعون تلك العلل والفروق فظنوا ما ظنوه من ذلك وتأولوا على العرب ما لا بجوز في الحكم".
* * *
فأما ما كان من لغتين فقال فيه "ابن جنى" في (باب الفصيح تجتمع في كلامه لغتان فصاعداً) : وما اجتمعت فيه لغتان أو ثلاث، أكثر من أن يحاط به، فإذا ورد شيء من ذلك كأن يجتمع في لغة رجل واحدٍ لغتان فصيحتان فصاعداً، فينبغي أن تتأمل حال كرمه: فإن كانت اللفظتان في كلامه متساويتين كثرتُهما واحدة، فإن أخلق الأمر به أن تكون ف=قبيلته تواضعت في ذلك المعنى على تينك اللغتين، لأن العرب قد تفعل ذلك للحاجة إليه في أوزان أشعارها وسعة تصرف أقوالها. وقد يجوز أن تكون لغته في الأصل إحداهما ثم إنه استفاد الأخرى من قبيلة أخرى وطال به عهده وكثر استعماله فلحقت لطول المدة واتصال استعمالها بلغته الأولى. وإن كانت إحدى اللفظتين أكثر في كلامه من صاحبتها فأخلَقُ الحالين به في ذلك أن تكون القليلة الاستعمال هي المفادة، والكثيرة هي الأولى الأصلية. . .
"وإذا كثر على المعنى الواحد ألفاظ مختلفة فسُمِعَتْ في لغة إنسان واحد فإن أحْرى ذلك أن يكون قد أفاد أكثرها أو طرفا منها، من حيث كانت القبيلة الواحدة لا تتواطأ في المعنى الواحد على ذلك كله. هذا غالب الأمر وإن كان الآخر من وجه القياس جائزاً.."