لحظ الراغب أن الأوب ضرب من الرجوع وذلك أن الأوب لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة، والمآب مصدر منه، والأواب كالتواب، وهو الراجع إلى الله تعالى بترك المعاصي وفعل الطاعات، والتأويب يقال في سير النهار (المفردات) .
ونتدبر سياق الآيات فيهما، فيؤنس إلى قريب مما لحظه الراغب، حيث يأتي الإياب والمآب للخلق، وأما الرجوع فيأتي الفعل غالباً مسنداً إليهم، وإن جاء متعلقاً في آية هود ١٣٢ {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} وإلى الأمور في آية البقرة ٢١٠: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} ومعها آل عمران ١٠٩ والأنفال ٤٥ والحج ٨٦ وفاطر ٤ والحديد ٥. وآية الطارق {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} .
في (أوب) حكى ابن فارس عن أبي حاتم السحستاني، قال: كان الأصمعي يفسر الشعر الذي فيه ذكرُ الإياب أنه مع الليل، ويحتج بقوله: * تأوَّبنى داء مع الليلِ متصبُ *.
وكذلك يفسر جميع ما في الأشعار. فقلت له: إنما الإياب الرجوع، أىَّ وقتٍ رجع، تقول: قد آب المسافر. فكأنه أراد أن أوضح له فقلت: قول عبيد: وكل ذي غيبة يثوب. . . وغائبُ الموتِ لا يئوبُ
أهذا بالعشى؟ فذهب يكلمني فيه، فقلت: فقول الله - عز وجل -: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} أهذا بالعشىَّ؟ فسكت" قال أبو حاتم، مستدركاً: ولكن أكثر ما يجئ على ما قال، رحمنا الله وإياه".
(مقاييس اللغة: ١ / ١٥٣)
وإما (رجع) فعند ابن فارس أن الراء والجيم والعين أصل كبير مطَّرد منقاس يدل على ردًّ وتكرار. تقول: رجع رجوعاً إذا عاد، وراجع امرأتَه ردَّها وهي الرجعة، واسترجع استرد، والترجيع في الصوت ترديده، ومنه رجع الصدى. فأما الرجع فالغيثٌ في قوله - عز وجل -: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} وذلك أنها تغيث وتصٌبّ ثم ترجع فتغيث. . . (المقاييس ٢ / ٤٩٠) .
وأبو هلال العسكري، فرّق بين الرجوع والإياب، بأن الإياب هو الرجوع إلى منتهى القصد، ومنه {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} .
فلعل هذا الفرق في الدلالة، أحسَّه نافع في سؤاله عن الإياب، وليس مرادفا