وليلةٍ ذات نَدىَ سريتُ. . . ولم يَلِتْنى عن سُراها ليتُ
وللمهموز، قول الحطيئة: أبلغ سراة * البيت، وهو الشاهد في المسألة، فكأن ابن عباس فسرها على قراءة "يألتكم" التي انفرد بها أبو عمرو. واختارها السجستاني كذلك، اعتبارا بقوله تعالى:{وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} وأنشد بيت الحطيئة. وفي الكشاف: لا ينقصكم ولا يظلمكم يقال ألته السلطان حقه أشد الألت. وهي لغة غطفان - وعبس منهم - ولغة أسد وأهل الحجاز: لاته ليتا.
لكنها ليست اختيار أبي عبيدة، والفراء، قال:
{لَا يَلِتْكُمْ} لا ينقصكم ولا يظلمكم من أعمالكم شيئاً وهي من: لات يليت، والقراء مجمعون عليها. قد قرأ بعضهم "لا يألتكم" ولست أشتهيها، لأنها بغير ألف كتبت في المصاحف وليس هذا بموضع يجوز فيه سقوط الهمزة. ألا ترى إلى قوله تعالى:{يَأْتُونَ} و {يَأْمُرُونَ} و {يَأْكُلُونَ} لم تُلْقَ الألف في شيء منه لأنها ساكنة، وإنما تلقى الهمزة إذا سُكن ما قبلها، فإذا سكنت هي ثبتت ولم تسقط.
وإنما اجترأ على قراءتها "يألتكم" أنه وجد {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} في موضع، فأخذ ذا من ذاك، والقرآن يأتي باللغتين المختلفتين، ألا ترى قوله {تُمْلَى عَلَيْهِ} وفي موضع آخر {فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ} ولم تحمل إحداهما على الأخرى فتتفقا، ولات يليت وألت يألت: لغتان. (معاني القرآن، الحجرات: ٣ / ٧٤) .
وهو الصواب عند الطبري، وحكاه عن أهل التأويل قال:{لَا يَلِتْكُمْ} لا يظلمكم من أجور أعمالكم شيئاً ولا ينقصكم من ثوابها شيئاً. وبنجو الذي قلناه في ذلك قال أهل التأويل. وقرأت قراء الأمصار {لَا يَلِتْكُمْ} بغير همز ولا ألف، سوى أبي عمرو فإنه قرأ "لا يألتكم" اعتبارا منه بقوله تعالى: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ} وأما الآخرون فإنهم جعلوا ذلك من: لات يليت كما قال رؤبة: