التحدي، أنهم زادوا على أولئك الأولين أو كملوا في علم البلاغة أو تعاطيها لما لم يكملوا له. . .
"هذا خالد بن صفوان يقول: كيف نجاريهم وإنما نحكيهم؟ أم كيف نسابقهم وإنما نجري على ما سبق إلينا من أعراقهم؟ . . .
"والأمر في ذلك أظهر من أن يخفى أو ينكره إلا جاهل أو معاند، وإذ ثبت أنهم الأصل والقدوة، فَبِنَا أن ننظر في دلائل أحوالهم وأقوالهم حين تُلى عليهم القرآن وتُحدوا إليه وملئت مسامعهم من المطالبة بأن يأتوا بمثله ومن التقريع بالعجز عنه، وبُتَّ الحكم بأنهم لا يستطيعونه ولا يقدرون عليه".
* * *
وما من شك في أن عجز البلغاء من العصر الأول، عن معارضة القرآن، وفيهم أصل الفصاحة، برهان قاطع في قضية التحدي، فحين نقول إنها حَسمت في عصر المبعث، فلا يمكن بحال ما أن تُحمل هذا القول على مظنة اختصاص إعجازه بعصر المبعث دون سائر الأعصار، وإنما معناه أن من هم أصل العربية، لغة القرآن، هم الذين يُفترض أن يواجَهوا بالتحدي، لما يملكون من أسرار لغتهم التي نزل بها الكتاب العربي المبين. فاختصاصهم بالتحدي جاء من كونهم أهل الاختصاص بالعربية لغة القرآن، وقد حسمها عجزهم عن أن يأتوا بسورة من مثله، والمعجزة "على الأيام باقية وعلى الدهور والأزمان ثابتة" كما قال الإمام الطبري في مقدمة تفسيره.