حُسمت قضية التحدي بعجز العرب المشركين في عصر المبعث، عن أن يأتوا بسورة من مثل هذا القرآن.
لتظل قضية الإعجاز معروضة على الأجيال المتعاقبة، تلقاهم بهذا السؤال: لماذا أعيا العرب أن يأتوا بسورة من مثله، وقد تحداهم أن يفعلوا، وليدعوا من استطاعوا، وليستظهروا بالجن مجتمعين؟
وقد نزل القرآن بلغتهم، وكانت في عصر نزوله في عز أصالتها ونقائها، لم تَشُبْها شائبة من عجمة، ولا اختلطت بغيرها من الألسن.
فكيف عجز شعراؤهم الفحول وأمراء البيان من بلغائهم، ممن عبأتهم قريش لحربها ضد الرسالة والرسول، أن يأتوا بسورة من مثل سورة القصار، وهم الذين خاضوا المعركة ضد الإسلام بسلاح الكلمة وأجهدوا قرائحهم في هجاء المصطفى عليه السلام بقصائد مطولات، كان يغني عنها أن يجتمعوا على الإتيان بسورة من مثل هذا القرآن؟
سورة واحدة فحسب، كانت تعقيهم كذلك من التورط في حملة الاضطهاد السفيهة الشرسة التي أرهقوا بها من أسلم منهم، وتكفيهم شر الحرب التي صَلُوا نارها سنين عدداً وأكلت فلذات أكبادهم وحصدت رءوس صناديدهم.
"لو كان ذلك في وسعهم وتحت أقدارهم، لم يتكلفوا هذه الأمور الخطيرة ولم يركبوا الفواقر المبيدة، ولم يكونوا تركوا السهل الدمث من القول إلى الحزن الوعر من الفعل. هذا ما لا يفعله عاقل ولا يختاره ذو لب. وقد كان قومه قريش موصوفين برزانة الأحلام ووفارة العقول والألباب، وقد كان فيهم