الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن قضية التأليف بين فصائل الأمة، والسعي في إصلاح ذات بينها وجمع شملها على الحق والهدى، ورأب صدعها، والتقريب بين فئاتها المتنازعة من أعظم أصول الإسلام العظيمة، ومن أفضل أبواب الخير والجهاد في سبيل الله.
والأمة لم تؤت من ثغرة مثل ما أُتيت من جانب فرقتها وتنازعها، والصرع بينها. ولقد كان الأعداء هم الذين يؤججون هذا الصراع، ويحصدون نتائجه، والمسلمون لا يحصدون سوى الخيبة والفشل.. إذْ لم يستطع الأعداء أن يحققوا ما يريدون من تبديد الأمة، وتشتيت شملها؛ إلا بعد أن غرسوا فسائل الفتنة والخلاف بينها، وبعد أن أوجدوا أسباب الصراع والنزاع في صفوفها. ولقد كانت محاولاتهم قديمة بدأت في عهد الدولة الإسلامية الأولى بمحاولة التفريق بين الأوس والخزرج بإثارة النعرات القومية، وبعث الأحقاد التاريخية. ولكن محاولاتهم باءت بالفشل؛ فما كان للأمة أن تختلف وفيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولقد رأى الأعداء أن كيد الإسلام - كما يقول الإمام ابن حزم -