للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنفس الإنسانية هي المؤثرة في خوارق الأنبياء، والسحرة، وغيرهم، وما يحصل بالدعاء، والشفاعة، هو عندهم من تأثير نفس الداعي المستشفع، لكن بتوجهها إلى ذلك حصل لها قوة، ثم قد يفيض عليها ما (١) يفيض، إما من نفس المستشفع به، وإما من غيره.

ولهذا يأمر مثل هؤلاء أن يجمع الإنسان همّته على أي شيء كان، ويقولون: لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه الله به، وقد يأمرون بالعشق ليجتمع قلب العاشق على شيء، وإن كان ذلك المعشوق لا ينفع، ولا يضر، وكذلك يعبدون ما لا ينفع، ولا يضر، فمقصودهم جمع الهمّة على شيء، حتى تثبت النفس، ويزول تفرقها، وتشتتها، وهذا كما يرصد أصحاب البرابي (٢) صورة من الصور مدة، وكذلك غيرهم من عبّاد الأصنام، فإذا اجتمعت الهمّة على ذلك الشيء، وتفرغ القلب لما يلقى فيه، تمكن منه الشيطان، فألقى في قلوبهم ما يلقيه، وتمثل لهم، وقضى بعض حوائجهم، والمتفلسفة الذين لا يعرفون الجنّ، يقولون: هذا كله من /٥٩أ/ قوى النفس.

ولكن جمهور الناس الذين قد عرفوا حقيقة الأمر، يعرفون أن الشياطين تفعل من ذلك ما لا تفعل النفس، وهؤلاء قد يذكرون الله، ومقصودهم بذكرهم جمع قلوبهم، وتفريغها لما يرد عليها، فليس مقصودهم عبادته تبارك وتعالى.

وهذا موجود في كثير من أهل زماننا، كما كان بعض الناس يقول لمريديه: توجه إلى قلبك وقل: لا إله إلا الله، وليس المقصود الذكر، إنما المقصود أن يجتمع قلبك، فإذا اجتمع قلبه تنزلت عليه الشياطين، فيخيل إليه أنه صعد إلى السماء، وألوان أخر، ويقول أحدهم: حصل لك ما لم يحصل لموسى بن عمران، ولا لمحمد ليلة المعراج، وشخص


(١) غيرت في المطبوع إلى: (لما) .
(٢) لم يظهر للمحقق معناها فغيرها إلى: (البر أي) ! قال ياقوت الحموي في «معجم البلدان» ج١/ص٣٦٢: (البرابي، بالفتح وبعد الألف باء أخرى، وهو جمع بربا؛ كلمة قبطية، وأظنه اسمًا لموضع العبادة أو البناء المحكم أو موضع السحر) ثم ذكر قصة بناء البرابي كما تروى في كتب التاريخ، ثم قال: (وبيوت هذه البرابي في عدة مواضع من صعيد مصر في إخميم وأنصنا وغيرهما باقية إلى الآن، والصور الثابتة في الحجارة موجودة) ، ووصفها في موضع آخر فقال ج١/ص١٢٤: (وهو بناء مسقّف بسقف واحد، وهو عظيم السعة مفرطها، وفيه طاقات ومداخل، وفي جدرانه صور كثيرة؛ منها صور الآدميين، وحيوان مختلف منه ما يعرف ومنه ما لا يعرف، وفي تلك الصور صورة رجل لم ير أعظم منه ولا أبهى ولا أنبل، وفيها كتابات كثيرة لا يعلم أحد المراد بها ولا يدرى ما هي والله أعلم بها) . اهـ. وانظر «الرد على البكري» لابن تيمية (ط. دار الوطن) ص٥٠٦.

<<  <   >  >>