للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا الذين يسافرون لزيارة المقابر، والمشاهد التي يعظمونها هي عندهم مثل الحج، بل أعظم من الحج، ويسمونها الحج الأكبر، ويرون أن مرة واحدة منها أفضل من حجات إلى مكة، ويدعون عندها، ويتضرعون، ويخشعون، كما يفعله المسلمون في بيوت الله، ومشاعره، أو أعظم من ذلك، أو دون ذلك، كما كان المشركون يعظمون آلهتهم مثلما يعظمون الله، وقد يفضلونها على الله، /٤١أ/ كما قال تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ} [الأنعام: ١٣٦] ، وقال تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨] .

ومثل هؤلاء موجودون في زماننا، يكون شيخ أحدهم في صدره أعظم من الله، بحيث يسب الله ويشتمه إذا فعل بشيخه مكروهًا، كما جرى مثل هذا لطائفة بعد طائفة، ومن سب شيخه حاربه، ومن سب الله سالمه، ويحلف بالله ويكذب، ولا يستجرئ (١) أن يكذب إذا حلف بشيخه.

وإذا كان السفر إلى البقاع المعظمة من جنس الحج فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن نسافر سفرًا يشبه الحج إلا إلى هذه المساجد، فالمسجد الحرام يكون السفر إليه واجبًا تارة، ومستحبًّا أخرى، والمسجدان الآخران يستحب السفر إليهما، فهذا هو المشروع من هذا الجنس، وما سوى ذلك غير مشروع، وما كان حجًّا غير مشروع فلا يكون إلا محرمًا، كالحجّ إلى بيت لحم، والقمامة، وسمناة، وغير ذلك.

فإن قيل: هذه أوثان. قيل: والقبور قد اتخذت أوثانًا، وأصل الشرك


(١) عدلها المحقق في المطبوع إلى: (يستجيز) ، وفي الأصل قد كتبت هكذا: (يستجر) ، ووضع الناسخ علامة الإهمال على الراء.

<<  <   >  >>