ولم يكن أحد من الصحابة يقصد شيئًا من القبور، لا قبور الأنبياء ولا غيرهم، لا يصلي عنده ويدعو عنده، ولا يقصده لأجل الدعاء عنده، ولا يقولون: إن الدعاء عنده أفضل، ولا الدعاء عند شيء من القبور مستجاب، بل قد علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم /١٧ب/ لعن من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد لله فيصلّى عندها لله، والمصلي لله إنما يدعو الله، ويتضرع له، ويستغيث به، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد لعن من فعل هذا عندها لئلا يتشبه بمن يقصد دعاءها، فالذي يقصد دعاءها قد فعل نفس الشرك الذي لأجله نهي عن اتخاذها.
ومن العجب أن كثيرًا من الناس نهي عن الصلاة //١٤٨ب// عندها، ثم يقصدون الدعاء عندها، ويقولون: إنه يستجابُ الدعاء هناك، فهل يقول مسلمٌ أو عاقل إن مكانًا نهينا أن نعبد الله فيه بالصلاة لله يكون الدعاء فيه مستجابًا، ويكون مقصودًا للدعاء؟! وهذا بمثابة من قال: أنا لا أصلي عند طلوع الشمس، وعند غروبها، ولكن أسجد للشمس حينئذ. وهو إنما نهي عن الصلاة لئلا يتشبه بمن يسجد للشمس.